الحمد لله.
لم نقف على دليلٍ أو نقلٍ ـ بعد البحث ـ يدل على فضل من مات بالسحر ، إلا أن المسحور إن صبر على بلواه كان له أجر الصابرين ، وما أعظمه من أجر . قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر/10 ، وقال : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/155- 157
وقال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ) رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى البخاري (5653) ومسلم (2576) عن عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى . قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ، أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : إِنِّي أُصْرَعُ ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي . قَالَ : ( إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ ) فَقَالَتْ : أَصْبِرُ . فَقَالَتْ : إِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا .
وليعلم أن السحر له حقيقة ، وقد يؤدي إلى مرض المسحور ، وربما أدى إلى قتله .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وأما السحر في الشرع ؛ فإنه ينقسم إلى قسمين :
الأول : عُقَدٌ وَرُقىً ؛ أي : قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور ، لكن قد قال الله تعالى : ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ) البقرة/102 .
الثاني : أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله ؛ فتجده ينصرف ويميل ، وهو ما يسمى عندهم بالصرف والعطف .
فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى ، حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء ، والصرف بالعكس من ذلك .
فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئا فشيئا حتى يهلك .
وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه .
وفي عقله ؛ فربما يصل إلى الجنون و العياذ بالله " انتهى من "شرح كتاب التوحيد" (2/5) .
هذا وقد ينال المسحور أجر الشهيد إذا أدى السحر إلى مرضه بداء البطن ، أو الطاعون ، أو ذات الجنب ، أو ماتت المرأة وهي في حال الولادة ، فقد روى أحمد (23804) وأبو داود (3111) والنسائي (1846) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ ؟ قَالُوا : الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ . وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ . وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ . وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ . وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ . وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ . وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال في "عون المعبود" :
" ( المطعون ) هو الذي يموت بالطاعون ( والغرق شهيد ) إذا كان سفره طاعة ( وصاحب ذات الجنب ) وهي قرحة أو قروح تصيب الإنسان داخل جنبه ثم تفتح ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك ، ومن علاماتها الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس مع ملازمة الحمى والسعال ( والمبطون ) من إسهال أو استسقاء أو وجع بطن ( وصاحب الحريق ) أي المحرق وهو الذي يموت بالحرق ( تحت الهدم ) أي حائط ونحوه .
( والمرأة تموت بجُمع ) قال الخطابي : معناه أن تموت وفي بطنها ولد " انتهى .
والله أعلم .