زوجها ضربها وأخذ مالها فهل تدعو عليه ؟
لقد تزوجت منذ 43 عاماً ، وزوجي لم يكن عنده أي طموح ، وكنت دائماً أعمل معه ، وكان عصبيّاً ، ويضربني ضرباً لا أستطيع حتى الآن أن أسامحه ؛ كان يمسك رأسي ويضربه بالحائط ، ويحضر على التلفزيون حلقات المصارعة فتكون النتيجة أن أتلقى ما تعلمه ، وبقيت كذلك حتى سافرنا للهجرة على أساس أني أنا النحس وسنصير أغنياء ، المهم خلال تحضيرنا للسفر توفى والدي ، وكان قبلها قد كتب لي زوجي نصف البيت الذي نعيش به ؛ لأنه كان يأخذ مني بطريق الحيلة كل ما كان أبي يعطيني إياه ، ولم أستطع أن أبوح لأهلي لأني حاولت مرة ، وأمي ضربتني وأرجعتني إليه لأن البنت قبرها عند زوجها ، والمهم بعد سنة رجع للبلاد بعد أن خسر كل شيء مما أخذه من البلاد ، وفضلت أن أعمل حتى وفيت ثمن البيت ، وفي بلادي استغل الوكالة التي أجبرني أن أعملها له وأخذ كل المال وصرفه في تجارة لا يفهمها ، مع العلم أن أخواتي اشتروا بيوتاً لأولادهم من أرباح أموالهم لأن والدي توفى منذ 20 عاماً ، والآن هو لا يعترف بهم ويقول : إن نصف البيت كتبه لي لقاء أموالي ، مع أنني لا أريده ، فماذا أفعل به - وأنا قضيت شبابي وحياتي في العمل - الآن ؟ .
أرجو أن تساعدوني ، أحس أن الله ليس معي ، مع أن الله مع المظلومين .
دائما أتعرض إلى إهانته ، مع العلم أن والدي كان من كبار التجار وهو تاجر ، ولكن زوجي كان مع إخوته شركاء وافترقوا ، ومن وقتها لا يعرف يشتغل ، والآن لا أستطيع مسامحته ، ودائما أدعو عليه ، فهل هذا حرام ؟ وهل لا يجوز الدعاء ؟ وهل ربنا سبحانه وتعالى يحاسبنا - مع أنني لم أقصر - ؟ وتعرض لحادث سيارة ، ومدة ثلاث سنوات خدمته ولما عرف أنني أريد مالي قال إنه لم يعد يتحملني ويريد أن يطلقني ، أفيدوني ، ووالله لم أذكر إلا بعض قليل مما جرى معي ، ولكم الأجر والثواب ، زوجي أمام الناس يصلي ويصوم ويعبد الله والكل يحترمه ، ولكن أي مشكلة بيننا يحاربني عدة أيام ، أكاد أجن ، ولم أعد أحتمل حتى وجوده ، مع العلم أننا نسكن لوحدنا ، وكل الأولاد تركونا ، لم أعد أتحمل الصمت ، أرجوكم أفيدوني بإجابة تساعدوني فيها أن لا أفقد إيماني فأنا أحس أني بحاجة إلى شحنة إيمان أستعيد بها توازني ، والله الموفق .
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
جعل الله تعالى خَلْق الزوجة من آياته العظيمة ، وأخبر أن من عظيم حِكَم اقتران
الأزواج المودة والرحمة والسكن بينهما ، وأوجب عز وجل معاشرتهن بالمعروف ، وكل ذلك
مسطَّر في القرآن الكريم يعرفه المسلمون جميعاً .
قال تعالى : ( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
الروم/21 .
وقال عز وجل : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً )
النساء/19
.
وقد أذن الله تعالى بضرب الزوجة كما في قوله تعالى : ( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ
نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ )
النساء/ 34
، وكما في قوله عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع - : ( وَلَكُم عَلَيْهنَّ
أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَداً تَكْرَهونَهُ ، فَإنْ فَعَلْنَ ذلك
فاضْرِبُوهنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّح )
رواه مسلم ( 1218 ) .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ
تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ
وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ) .
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَلَا تُقَبِّحْ : أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ .
رواه أبو داود ( 2142 ) وصححه الألباني في "
صحيح أبي داود " .
وفي الآية والحديثين بيان لشروط
ضرب الزوجة ، فهو يكون بعد فشل الوعظ والهجر ، ويكون غير مبرِّح ، فلا يكسر عظماً
ولا يُحدث عاهة ، بل القصد منه التأديب ، كما لا يجوز أن يضرب الوجه ، ولا أن يصاحب
الضربَ شتم وقذف وسب للزوجة أو أهلها ، وهذا كله في حال أن يكون سبب الضرب شرعيّاً
كأن تترك الزوجة واجباً أو تفعل محرَّماً .
ولا شك أن ما فعله الزوج هو الغاية في السفه والحمق – إن كان ما تقولينه حقّاً –
كما أنه مخالف للشرع مسبِّب للإثم ، فمن ذا الذي يقول بجواز ضرب رأس الزوجة بالحائط
، أو تطبيق فنون المصارعة عليها ؟! .
ثانياً :
ويتحمَّل أهلك – وخاصة أمك - كثيراً من المسئولية تجاه ما حدث لك من زوجك ، إذ
الواجب أن يكون بينهم وبينكِ ثقة ومصارحة ، وكان الواجب عليهم أن يسمعوا منكِ ولا
يرجعونك لزوجك إلا بعد أخذ العهود والمواثيق عليه أن لا يسيء معاملتك ، وأن يعطيك
حقوقكِ كافة .
ثالثاً :
وأما دعاؤك على زوجك : فقد شُرع لنا الدعاء على الظالم ، وقد حذَّر النبي صلى الله
عليه وسلم من أن يتسبب أحد بدعوة مظلوم عليه ، وأخبر أن دعوة المظلوم مستجابة .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ
لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ )
رواه البخاري ( 1425 ) ومسلم ( 19 )
.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ
الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ) .
رواه الترمذي ( 1905 ) وابن ماجه ( 3862 ) ،
وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1655 )
.
أخيراً :
فإننا نسأل الله تعالى أن يُعظمَ لك الأجر على صبرك واحتسابك ، واعلمي أن الله
تعالى ينصر المظلوم ويستجيب دعاءهم ، ولك الحق في طلب مالكِ منه ، ولك الحق في طلب
الخلع ؛ لما تسببه الحياة معه من ضرر وأذى لكِ ، لكن هذا لا يكون بفتوى إنما بحكم
قاضٍ شرعيٍّ يسمع منك ومنه ، فإن ثبت له بعض ما تقولين فإنه يرجع الحق لك ، ويعطيك
الخيار في مخالعته مع إعطائك كامل حقوقك ، لذا لا تترددي في رفع أمرك للقضاء
الشرعي.
نعم ، إن الطلاق والفرقة آخر ما يفكر المرء فيه في حل المشكلات الزوجية ، والكيّ
آخر الدواء ، لكن استعمال الكي خير من الهلاك ، أو استفحال الداء .
ورجل – كهذا – بعد رحلة العمر ، وكثرة البذل ، ولم ينصلح حاله ، فمتى ينصلح !!
فلتكن راحة قلبك واجتماع شملك على الله هو شغلك الأول ، وعلى أساسه تقررين ما يصلحك
مع الله .
ونحن لا نملك إلا أن نسدي لك النصح ونبين لك عظيم الأجر على الصبر والتحمل ، ونملك
أن ندعو الله تعالى لكِ أن ييسر أمرك ويفرِّج كربك .
والله أعلم