مستدين بديون تجارية متعلقة بالسوق ولكن كثرت الديون وتعددت لدرجة استحالة الوفاء بها في ظل الظروف السوقية الحالية ولا أجد سبيلا للسداد....ماذا أفعل؟
الحمد لله.
نسأل الله تعالى أن يفرج همك وأن يقضي دينك، وأن يرزقك من فضله.
وهذه بعض النصائح نرجو أن يكون فيها عون لك:
أن تتحلى بالصبر، وأن تسعى للتخلص مما أنت فيه بالبحث عن طرق مشروعة للكسب، تجني منها بعض الأرباح، وتعوض خسائرك، وتقضي دينك، فأبواب الرزق واسعة، وقد يبدأ الإنسان بعمل صغير ثم يبارك له فيه، وهذا واقع مشاهد.
أن تقلل من النفقة الخاصة بك، وأن تعلم أن الدائنين أولى بكل ما زاد عن نفقتك الضرورية، فلا تتهاون في أمر الدَّيْن، ولا تسترسل في الإنفاق، ولا يحملنك اليأس من سداده على أن تنساه، أو تقصر في البحث عن مخرج منه.
أن تستسمح أصحاب الدين، وأن تخبرهم بعجزك عن السداد، وأن تطلب منهم المهلة، فهذا خير لك من الهروب والمماطلة التي تزيدهم عليك حنقا وضيقا.
أن تصلح ما بينك وبين الله تعالى، ليصلح لك ما بينك وبين الناس، وقد وعد الله أهل طاعته بالمزيد من فضله، فقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ النحل/97. وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً الطلاق/2،3.
وقال: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً نوح/10- 12. فأكثر من الاستغفار والتوبة والعمل الصالح، فإن رحمة الله قريب من المحسنين.
إذا كنت قد أخذت هذه الديون وأنت عازم على أدائها فعليك أن تحسن الظن بالله تعالى وتثق به أنه سيقضيها عنك، روى البخاري (2387) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، وروى ابن ماجة (2409) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
توجه إلى الله تعالى بالدعاء، وأيقن بالإجابة، فإن من أدمن طرق الباب، يوشك أن يفتح له، وتخير لدعائك أوقات الإجابة، كالثلث الأخير من الليل، وبعد عصر الجمعة، وما بين الأذان والإقامة، وفي السفر، وعند الفطر من الصوم.
وإليك بعض الأدعية المناسبة لحالك:
روى الترمذي (3563) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
والمكاتبة: تعهد العبد بدفع مال لسيده حتى يعتقه. و(جبل صِير) اسم جبل.
وروى الطبراني في معجمه الصغير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثلُ جبلِ أُحُدٍ دَيناً لأداه الله عنك؟ قل يا معاذ: اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1821).
وروى أحمد (3712) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحاً قَالَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1822).
ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 107302، 392575، 190097.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.