الحمد لله.
أولا :
من ادعى أنه يعلم أماكن المسروقات ويدل على السارقين بأمور خفية لا يعلمها الناس ، فهو أحد شخصين : كاهن تتنزل عليه الشياطين ، أو دجال كذاب يوهم الناس بمعرفة ذلك ليأكل أموالهم بالباطل .
وعلى كل تقدير لا يجوز الرجوع إلى هؤلاء ولا سؤالهم ولا تصديقهم ، مهما تظاهروا بالصلاح ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) رواه مسلم (2230) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه أحمد (9779) وأبو داود (3904) والترمذي (135) وابن ماجه (936) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
قال البغوي رحمه الله : " العراف : الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك " نقله في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/178) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والعراف : قيل هو الكاهن ، وهو الذي يخبر عن المستقبل .
وقيل : هو اسم عام للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يستدل على معرفة الغيب بمقدمات يستعملها ، وهذا المعنى أعم ، ويدل عليه الاشتقاق ؛ إذ هو مشتق من المعرفة ، فيشمل كل من تعاطى هذه الأمور وادعى بها المعرفة ". انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (2/48) .
وقد أخبر بعض من تاب من العرافة والكهانة بأنه كان يستعين بالجن ليعلم منهم تفاصيل ما يجري في بيت المسروق ، وحاله مع أقاربه وجيرانه ، وأصدقائه وأعدائه ، وأنه تارة يلصق التهمة بمن يدور حوله الاشتباه .
وعلى فرض أن العراف توصل إلى معرفة السارق الحقيقي وأحضر المال عن طريق أتباعه من الجن ، فإنه لا يجوز الذهاب إليه ولا سؤاله لما سبق .
ثانيا :
ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من يدعي معرفة المسروقات أو أن الجن تخبره بذلك ، قال ابن نجيم رحمه الله في بيان المكفّرات : " وبإتيان الكاهن وتصديقه ، وبقوله : أنا أعلم المسروقات ، وبقوله : أنا أخبر عن إخبار الجن إياي " انتهى من البحر الرائق (5/130) . وإنما يكفر بقوله : أنا أخبر عن إخبار الجن إياي ؛ لأن الجن كالإنس لا يعلمون الغيب ، كما قال تعالى عنهم : ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) سبأ/14 ، قاله في حاشية البحر الرائق .
فسؤال العراف والكاهن محرم . ويدخل في ذلك : سؤاله عن الضالة والمسروق ، ومعرفة المرض ، والعلاج .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : أحيانا نفقد بعض المال أو الذهب من المنزل ونعتقد أنه سُرق ، ونذهب لأحد الأشخاص ويُعَرف بالمخبر ، ونشرح له ذلك ، ويوعدنا خيرا ، وأحيانا نسترجع المفقود ، وأحيانا لا ، فما حكم ذهابنا لهؤلاء الأشخاص ؟
فأجابوا : " لا يجوز ذهابكم إليه لأنه كاهن ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم " . انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/410) .
ثالثا :
على من أتى هذا العراف وسأله ، أن يتوب إلى الله تعالى ، بالندم على فعله ، والعزم على ألا يعود إليه ، وأن لا يتهم أحدا بالسرقة اعتمادا على قول العراف ومساعديه من الجن ، فإن الجن يكذبون ، وقد يتهمون البريء للإيقاع والإفساد بين المسلمين . والتوبة هنا تلزم من أتى العراف وسأله ، كما تلزم من دله وأرشده ، فإن الجميع واقعون في المعصية . وراجع السؤال رقم (32863) في التوبة من سؤال العرافين أو تصديقهم .
وينبغي للمسلم أن يفزع إلى الله تعالى ، ويلجأ إليه عند حلول الحوادث والمصائب ، فإن الأمر كله بيده سبحانه ، كما قال : ( أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) النمل/62
والله أعلم .
وهذا ينطبق على أختك وزوجها ، كما ينطبق عليك أيضا ، فينبغي أن تلجأ إلى الله تعالى ليرفع عنك الاتهام والظلم .
ونصيحتنا لأختك وزوجها ومن يتصل بهذه القضية ألا يتهموا أحدا بناء على كلام دجال أو عراف ، فإن اتهام البريء أمر عظيم ، والأصل هو البراءة والسلامة . قال صلى الله عليه وسلم : ( من قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ) رواه أبو داود (5129) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
والردغة : الطين والوحل وما يسيل من عصارة أهل النار .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .