الحمد لله.
أولا :
هذه الطائفة من أكذب الطوائف وأتبعها للشبهات وأكثرها تعلقا بالباطل واعتقادا له ، فيتركون ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الشيخين ومقامهما ، وما أجمعت عليه الأمة من تقديمهما على من سواهما من الصحابة رضي الله عنهم ، إلى ما يروونه من أخبار باطلة وحكايات مزورة ، ويتعلقون بالكلمة يجدونها ، وبالشبهة يظفرون بها ، غير ملتفتين إلى ما تواتر من الأخبار الصحيحة والآثار الثابتة .
راجع جواب السؤال رقم : (113676) لتتعرف على اعتقاد الرافضة وما هم عليه من الضلال والانحراف عن دين الله وعن صراطه المستقيم .
ثانيا :
الحديث الأول الذي يشير إليه السائل هو ما رواه الإمام أحمد (21578) ، والطبراني في
"المعجم الكبير" (4921) من طريق شَرِيك ، عَنِ الرُّكَيْنِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
حَسَّانَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَاب اللهِ ،
حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ
إِلَى الْأَرْضِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا
حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ) .
فيحتج هؤلاء المبطلون بما ورد فيه من قوله : ( إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ
خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابُ اللهِ ... وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ).
فذكر الخلافة وذكر أهل البيت ، واحتجوا بذلك على أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله
عنهم قد انتزعوا الخلافة من أهل البيت واغتصبوهم حقهم .
ولا حجة لهؤلاء المبطلين في هذا الخبر على ما ذهبوا إليه ، لما يلي :
أولا : أن لفظ ( خليفتين ) غير محفوظ ؛ لأن إسناد الحديث لا يصح :
شريك هو ابن عبد الله القاضي : سيء الحفظ ، روى محمد بن يحيى القطان عن أبيه قال :
رأيت تخليطا في أصول شريك .
وقال عبد الجبار بن محمد : قلت ليحيى بن سعيد : زعموا أن شريكا إنما خلط بأخرة!
قال: ما زال مخلطا.
وقال ابن المبارك : ليس حديث شريك بشيء .
وقال الجوزجاني : سيئ الحفظ مضطرب الحديث .
وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري : أخطأ شريك في أربعمائة حديث .
"ميزان الاعتدال" (2/ 270) .
قال العلامة المعلمي رحمه الله :
" أما حال شريك في نفسه : فمن أجلة العلماء ، وأكابر النبلاء ، فأما في الرواية :
فكثير الخطأ والغلط والاضطراب ، فلا يحتج بما ينفرد به أو يخالف " انتهى من
"التنكيل" (1/410) .
والقاسم بن حسان ، قال البخاري : حديثه منكر، ولا يعرف .
"ميزان الاعتدال" (3/ 369) .
وقال ابن القطان : لا يعرف حاله .
"تهذيب التهذيب" (8/ 311) .
وأما تصحيح من صحح الحديث : فإنما هو بالنظر إلى أصل الحديث الذي ورد من طرق ،
وله شواهد يتقوى بها ، لكن هذه اللفظة المعينة المستشهد بها : لم ترد من طريق تقوم
به الحجة .
ثم إن كل من صحح هذا الحديث من أهل العلم ، فإنه يصحح مقابله عشرات من الأحاديث
والآثار المروية عن السلف التي تدل على صحة خلافة الشيخين ، وعلى أنهما أفضل الأمة
بعد نبيها صلى الله عليه وسلم .
ويروون الأحاديث الثابتة في فضائل عثمان رضي الله عنه الذي أجمعت الأمة على خلافته
وفضله ، ويروون ويصححون قوله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء
المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ) رواه أبو داود (4607) وصححه
الألباني وغيره .
والأحاديث الكثيرة المروية في فضائل الشيخين ، أبي بكر وعمر ، وفضل عثمان رضي
الله عنه: هي أضعاف ما ورد في فضل علي ، أو في الوصاة بأهل بيته ، فالتعلق بنوع ،
وترك ما هو مثله أو أقوى منه : هو طريق أهل الزيغ والضلال ، الذين يؤمنون ببعض
الكتاب ، ويكفرون ببعض .
على أن المقصود بالحديث ، على فرض ثبوته : إنما هو الوصاية بأهل البيت ، والتذكير
بحقهم ، لا الوصاية لهم بالخلافة ، يدل عليه الحديث نفسه ؛ فإنه لما قال : : (
إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَاب اللهِ ... ) دل على أن المقصود
الوصاية بالخليفتين ؛ لأن كتاب الله لا ينصب خليفة أميرا للمؤمنين ، وإنما المناسب
الوصاية بكتاب الله بحفظه وعدم هجره وبمعرفة حدوده والعمل به ، فيكون معنى الحديث :
أني خلفت فيكم خليفتين من بعدي أوصيكم بهما خيرا : كتاب الله وأهل بيتي ، فاحفظوهما
، ومن راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل بيته جدير به أن يراعي سنته وما
أمر به ، فيكون المحافظ على هذه الوصية آخذا بكتاب الله وسنة رسوله .
ثانيا :
أما الحديث الثاني : فهو ما رواه الترمذي (3788) من طريق :
الأَعْمَش، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ .
وَالأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ .
قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي
أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ
السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ. وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا
حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ) .
فهذا الحديث غير محفوظ بهذا اللفظ ، وهذان الإسنادان لا تقوم بهما حجة :
أما الأول فلأن رواية عطية - وهو العوفي - عن أبي سعيد : منكرة ، على ما في عطية
نفسه من تشيع يضعف التمسك بروايته في ذلك الباب .
قال ابن حبان في ترجمة عطية هذا:
" سمع من أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَحَادِيث فَلمَا مَاتَ أَبُو سعيد جعل يُجَالس
الْكَلْبِيّ - وهو كذاب متهم - ويحضر قصصه ، فَإِذا قَالَ الْكَلْبِيّ قَالَ رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا فيحفظه وكناه أَبَا سعيد ويروي
عَنهُ ، فَإِذا قيل لَهُ من حَدثَك بِهَذَا ؟ فَيَقُول حَدثنِي أَبُو سعيد فيتوهمون
أَنه يُرِيد أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْكَلْبِيّ ، فَلَا
يحل الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَا كِتَابَة حَدِيثه إِلَّا عَلَى جِهَة التَّعَجُّب "
انتهى من "المجروحين" (2/ 176) .
وأما الإسناد الثاني فضعيف أيضا ، وفيه علتان :
أولا : الاضطراب في سنده ، فرواه مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ،
عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ . وعن الأَعْمَش، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي
ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ به ، وهي رواية الترمذي السابقة .
ورواه أَبُو عَوَانَةَ ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ سَلِيطٍ
الْحَنَفِيُّ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ وَاثِلَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ به ، أخرجه الطبراني في " الكبير
"(4969) .
ورواه كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ
يُخْبِرُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ به ، أخرجه
الحاكم (6272) .
ثانيا : حبيب بن أبي ثابت مدلس وقد عنعنه .
والصحيح من حديث زيد بن أرقم ما رواه مسلم في صحيحه (2408) عنه قَالَ : " قَامَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ
يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ،
وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ : ( أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ
فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ ، وَأَنَا
تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ
فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ) فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ
وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: ( وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ
بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ
بَيْتِي ) .
وعلى فرض صحته باللفظ الأول ، فمعناه الوصاية بأهل البيت خيرا ومعرفة حقهم وعدم
ظلمهم ، على ما سبق ذكره ، وكما تشير إليه رواية مسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" رواه الترمذي وزاد فيه ( وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) .
وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة ، وقال: إنها ليست من الحديث. والذين
اعتقدوا صحتها قالوا: إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنو هاشم لا يتفقون
على ضلالة ، وهذا قاله طائفة من أهل السنة ، وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره .
والحديث الذي في مسلم - إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله - فليس فيه إلا
الوصية باتباع كتاب الله ، وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك ،
وهو لم يأمر باتباع العترة ، ولكن قال: ( أذكركم الله في أهل بيتي ) ، وتذكير الأمة
بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم ، والامتناع من
ظلمهم " انتهى من "منهاج السنة النبوية" (7/ 318) .
وقال محققو مسند الإمام أحمد بن حنبل :
" قد ورد التصريح بأن المراد من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "وعترتي
أهل بيتي" هو وجوب مراعاتهم ومحبتهم ، واجتناب ما يسوؤهم ، والاحتراز عما يؤذيهم ،
في حديث زيد بن أرقم عند مسلم ونصه : "وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم
الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي " ، وما ورد مما يفهم منه وجوب
الاقتداء بهم ، والأخذ بأقوالهم والعمل بها ، مثل قوله: " لن تضلوا بعدهما "، أو: "
لن تضلوا إن اتبعتموهما " ، فأسانيده ضعيفة لا يصلح الاحتجاج بها ، وهذه التثنية :
(بعدهما) (اتبعتموهما) من أوهام ضعفة الرواة ، ويؤيد ذلك أن النبي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبة حجة الوداع لم يذكر سوى وجوب الاعتصام بكتاب الله تعالى
، فقال -كما عند مسلم من حديث جابر-: " تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ،
كتاب الله " ، ولم يذكر العتْر ة، ولما قفل من حجة الوداع ، ونزل غدير خُم ، أحس
بدنو أجله ، وقال: " يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب " ، فأوصاهم بالاعتصام بكتاب
الله مرة أخرى ، وأردف ذلك بتذكيرهم بعترته أهل بيته ، فقال: " إني قد تركت فيكم ما
إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي "، فقولُه هنا: "وعترتي أهل
بيتي" منصوب بفعل محذوف ، يعني: "احفظوا عترتي" ، أو : " أذكركم الله في عترتي "
كما هو نص مسلم ، وهذا المعنى المراد هو الذي فهمه صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقد أخرج البخاري (3712) عن أبي بكر رضي الله عنه قال : "
والذي نفسي بيده لقرابةُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إلى أن أصل
من قرابتي " . وأخرج عنه أيضاً (3713) ، قال : " ارقبوا محمداً صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آل بيته " . قال الحافظ في "الفتح" : " والمراقبة للشيء :
المحافظة عليه ، يقول: احفظوه فيهم ، فلا تؤذوهم ، ولا تسيئوا إليهم .
قلنا : وهذا موافق لقوله تعالى: ( قل لا أسألكُم عليه أجراً إلا المودة في القُربى
) .الشورى/ 23 " انتهى من حاشية "مسند أحمد" (17/ 175-176) .
وقد روى البخاري (3671) عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ ، قَالَ: " قُلْتُ
لِأَبِي - يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه - أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ ، قُلْتُ:
ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ عُمَرُ ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ ، قُلْتُ:
ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ .
وروى البخاري أيضا (3697) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : "
كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ نَعْدِلُ
بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لاَ نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ " .
وقد اتفقت الأمة على أن عليا أفضل الأمة بعد الثلاثة رضي الله عنهم أجمعين .
راجع لمعرفة فضل آل البيت جواب السؤال رقم : (145924) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم : (12103) .
والله تعالى أعلم .
تعليق