الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( إني لأراكم وراء ظهري ) ؟

199749

تاريخ النشر : 08-07-2013

المشاهدات : 36884

السؤال


روى الإمام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هل ترون قبلتي هاهنا ، فوالله ما يخفي علي ركوعكم ولا سجودكم إني لأراكم وراء ظهري ) .

فهل يعني هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستطيع رؤية كل شيء وراءه ؟

الجواب

الحمد لله.


من معجزاته التي أخبر عنها ، عليه الصلاة والسلام أصحابه : أنه يراهم من وراء ظهره ، كما يراهم من أمامه .
فقد روى البخاري (741) ومسلم (424) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا ؟! وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا خُشُوعُكُمْ ، وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي ) .
وروى أحمد (9504) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " صلى بنا رسول الله عليه وسلم الظهر ، وفي مؤخر الصفوف رجل ، فأساء الصلاة ، فلما سلم ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَا فُلَانُ : أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ أَلَا تَرَى كَيْفَ تُصَلِّي ، إِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا تَصْنَعُونَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى مِنْ خَلْفِي ، كَمَا أَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " مشكاة المصابيح " برقم (811).

والرؤية الواردة في الأحاديث على ظاهرها ، أي : أنه يراهم رؤية بصرية ، ويدل على ذلك ما رواه مسلم (423) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله يوماً ، ثم انصرف ، فقال يا فلان : ( أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ ؟! أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي ؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ ، إِنِّي وَاللَّهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي ، كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ) .

قال النووي رحمه الله في - شرحه للحديث - : " قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدْرَاكًا فِي قَفَاهُ يُبْصِر بِهِ مِنْ وَرَائِهِ , وَقَدْ اِنْخَرَقَتْ الْعَادَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْثَر مِنْ هَذَا , وَلَيْسَ يَمْنَع مِنْ هَذَا عَقْل وَلَا شَرْع , بَلْ وَرَدَ الشَّرْع بِظَاهِرِهِ فَوَجَبَ الْقَوْل بِهِ . قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَجُمْهُور الْعُلَمَاء : هَذِهِ الرُّؤْيَة رُؤْيَة بِالْعَيْنِ حَقِيقَة " انتهى من " شرح مسلم للنووي " (4/149) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقِيلَ : الْمُرَاد بِهَا الْعِلْم : إِمَّا بِأَنْ يُوحَى إِلَيْهِ كَيْفِيَّة فِعْلهمْ ، وَإِمَّا أَنْ يُلْهَم , وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْعِلْم لَوْ كَانَ مُرَادًا لَمْ يُقَيِّدهُ بِقَوْلِهِ مِنْ وَرَاء ظَهْرِي . وَقِيلَ الْمُرَاد أَنَّهُ يَرَى مَنْ عَنْ يَمِينه وَمَنْ عَنْ يَسَاره مِمَّنْ تُدْرِكهُ عَيْنه مَعَ اِلْتِفَات يَسِير فِي النَّادِر , وَيُوصَف مَنْ هُوَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ وَرَاء ظَهْره , وَهَذَا ظَاهِر التَّكَلُّف , وَفِيهِ عُدُول عَنْ الظَّاهِر بِلَا مُوجِب .
وَالصَّوَاب الْمُخْتَار : أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى ظَاهِره , وَأَنَّ هَذَا الْإِبْصَار إِدْرَاك حَقِيقِيّ خَاصّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اِنْخَرَقَتْ لَهُ فِيهِ الْعَادَة , وَعَلَى هَذَا عَمَل الْمُصَنِّف فَأَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيث فِي عَلَامَات النُّبُوَّة , وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَام أَحْمَد وَغَيْره " انتهى من " فتح الباري لابن حجر " (1/514) .

وهل تشمل تلك المعجزة حال الصلاة وغيرها من الأحوال ؟ النص جاء في الصلاة ، وأما غيرها من الأحوال ، فلم يرد فيه نص ، والمسألة محتملة عند بعض العلماء ، وعند آخرين أنها خاصة بحال الصلاة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصّ بِحَالَةِ الصَّلَاة , وَيحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ وَاقِعًا فِي جَمِيع أَحْوَاله, وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِد" انتهى من " فتح الباري لابن حجر"(1/515).

وقال الملا علي القاري : " فإني أراكم من وراء ظهري ، لا يلزم دوامها ؛ لمنافاته خبر لا أعلم ما وراء جداري ، فيخص هذا بحالة الصلاة وعلمه بالمصلين والله أعلم " .
انتهى بتصرف يسير من " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (4/197) – ترقيم الشاملة - .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " أنه يراهم من وراء ظهره ، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم : أنه في هذه الحالة المعينة يرى الناس من وراء ظهره ، أما فيما سوى ذلك ، فإنه لا يرى من وراء ظهره شيئا " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (5/113) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب