الحمد لله.
أولا:
نكاح المتعة من الأنكحة الباطلة ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم (20738): وفيها الرد على من أباحه .
ثانيا:
لا يجوز التساهل في تكفير المسلم ؛ لما في ذلك من الافتراء على الله سبحانه، والافتراء على عباده المسلمين ، فالمسلم الذي ثبت إسلامه ، لا يزول عنه إسلامه بمجرد الشبهة ، بل لا يزول عنه إلا بيقين ، وبتحقق قيام الحجة عليه ، وانقطاع عذره ، وهو ما يعبر عنه العلماء باستيفاء شروط التكفير ، وانتفاء موانعه .
ومن الشروط : أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً.
ومن الموانع : أن يكون متأولا ، أو عنده بعض الشُّبَه التي يظنها أدلة ، أو كان لا يستطيع فهم الحجة الشرعية على وجهها .
فالتكفير لا يكون إلا بتحقق تعمد المخالفة ، وارتفاع الجهالة ، في الأمر المعين الذي يكفر من خالف فيه .
ولمعرفة ضوابط التكفير يراجع جواب السؤال رقم .(85102) .
ولا شك أن من يقول بجواز نكاح المتعة من أهل السنة فلا بد أن يكون عنده نوع شبهة وتأويل؛ لأن بعض المتقدمين من أهل العلم كان قد أجازه وبعضهم كرهه دون تحريم ، ثم استقر الإجماع بعد ذلك على تحريمه .
قال ابن المنذر رحمه الله :
" ولا أعلم أحدا يجيز اليوم نكاح المتعة إلا بعض الرافضة. ولا معنى لقول يخالف القائل به كتاب الله وسنن رسوله " انتهى، من "الأوسط" (8/422) .
وقال القاضي عياض رحمه الله :
" ثبت أن نكاح المتعة كان جائزاً في أول الإسلام ، ثم ثبت أنه نسخ بما ذكر من الأحاديث في هذا الكتاب وفى غيره ، وتقرر الإجماع على منعه " انتهى من "إكمال المعلم" (4/275) .
وقال ابن القطان رحمه الله :
"واتفق أئمة الأمصار أهل الرأي والآثار بمصر والمغرب والشام على تحريم نكاح المتعة؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها." انتهى من "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/17) .
وهذه الآراء والأقوال المروية عمن نقل عنه ذلك من السابقين ، وإن كانت مردودة ، مخالفة للصحيح المقطوع به من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعتذر لأصحابها من أهل العلم بأنه لم يبلغهم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها - إلا أنها تورث نوع شبهة تمنع تنزيل الكثير من الأحكام الشرعية على من فعل المتعة أو استحلها .
يدل على ذلك أيضا أن بعض أهل العلم قد اعتبروا أن نكاح المتعة من الأنكحة المختلف فيها ، فمن فعله متأولا لا يحد للزنا لما فيه من الشبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات فإذا دفعت الشبهة الحدَّ فلأن تدفع الكفر من باب أولى ؛ لأن الكفر يحتاط له فوق ما يحتاط لغيره ، جاء في " المغني " لابن قدامة (9 / 57) : "وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ ، وَالشِّغَارِ، وَالتَّحْلِيلِ، وَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ ، وَنِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا الْبَائِنِ ، وَنِكَاحِ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ الْبَائِنِ ، وَنِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي إبَاحَةِ الْوَطْءِ فِيهِ شُبْهَةٌ ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبَهِ " انتهى.
والخلاصة : أن نكاح المتعة نكاح محرم من الأنكحة الفاسدة ، وقد استقر إجماع أهل العلم على تحريمه ، ومن استحله فإنه يُعرَّف بما ورد فيه من النهي الصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أصر على قوله معتمدا على شبهة ، أو متأولا لنص : فإنه يكون مخطئا ضالا في هذه المسألة ، لكنه لا يكفر ، ولا يخرج بذلك من دين الإسلام بذلك .
أما إن بلغته أحاديث رسول الله صلى الله عليها وسلم فعرفها ، واطمأن بها قلبه ، ثم أصر على ردها من باب الهوى ، وعدم الاعتداد بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعدم التزام حكمه الشريف :
فهذا كافر خارج من الإسلام ؛ لأن رد الحكم الشرعي كفر بإجماع المسلمين ، غير أن هذا لا يتصور صدوره من رجل يقال إنه من أهل السنة ، اللهم إلا إذا كفر بعد إيمانه ، نسأل الله السلامة والثبات .
والله أعلم.
تعليق