الحمد لله.
حمل جماعة من أهل العلم رحمهم الله حديث مسلم الوارد في السؤال على إرادة الوضوء ، أي يستنثر إذا توضأ ؛ واستدلوا على ذلك برواية البخاري التي فيها ذكر الوضوء .
فقد روى البخاري (3295) عن
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا اسْتَيْقَظَ
أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثًا ، فَإِنَّ
الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ).
قال الصنعاني رحمه الله :
" الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ
النَّوْمِ مُطْلَقًا ، إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إذَا
اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا
فَإِنَّ الشَّيْطَانَ الْحَدِيثَ ، فَيُقَيَّدُ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ بِهِ هُنَا
، بِإِرَادَةِ الْوُضُوءِ " انتهى من " سبل السلام " (1/64) .
وذهب آخرون إلى أن الاستنثار
يشرع لكل مستيقظ من نوم الليل ، سواء توضأ أو لم يتوضأ ؛ وذلك أخذا بعموم رواية
مسلم ، وقالوا - أيضاً - : العلة التي من أجلها شرع الاستنثار ، في قوله عليه
الصلاة والسلام : ( فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ ) يستوي فيها
من أراد الوضوء ، ومن لم يرد ، فكل واحد منهما يستحب له أن يزيل عنه أثر الشيطان في
ذلك الموضع .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
"وعلى كل حال فإن الله تعالى قد يسلط الشيطان على بني آدم ، فإذا نام بات الشيطان
على خيشومه بإذن الله عز وجل ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستنثار ، وهو
أن تستنشق الماء ، ثم تستنثره ، ثلاث مرات ؛ تطهيرا للخيشوم من أثر الشيطان .
وهذا التسليط من الله عز وجل له حكمة ، لكننا لا نعلم ما هي ، إلا أننا نعلم أنه لم
يسلط إلا لحكمة .
وهو غير استنثار الوضوء ، لأن استنثار الوضوء يكون من أعمال الوضوء ، لكن هذا
استنثار خاص ، حتى لو فرض أن الإنسان في البر وليس عنده ماء ، ويريد أن يتيمم بدل
الوضوء ، نقول : استنثر ثلاثا ، لهذه الحكمة" انتهى من "الشرح المختصر لبلوغ
المرام" (2/50) الشاملة .
وقال الشيخ صالح الفوزان
حفظه الله :
" مشروعية الاستنثار عند القيام من نوم الليل بالماء ثلاث مرات ، من العلماء من يرى
أنه واجب ، ومنهم من يرى أنه مستحب ، والصحيح أنه واجب ؛ لأن ظاهر الأمر الوجوب .
لكن هل يستنثر وهو لم يرد الوضوء ؟
ظاهر الحديث أنه يستنثر كل مستيقظ من النوم ، ولو لم يرد الوضوء ، ولكن في رواية
البخاري تقييد ذلك فيما إذا أراد الوضوء : (إذا استيقظ أحدكم فأراد أن يتوضأ
فليستنثر ثلاثا) ، فيحمل المطلق على المقيد في أنه إذا استيقظ من نومه وأراد الوضوء
، فإنه يستنثر .
ومن العلماء من يرى العموم ، بأنه يستنثر ولو لم يرد الوضوء ؛ لأن العلة عامة في
قوله : ( فإن الشيطان يبيت على خيشومه ) ، وهذا أحوط وأنفع للإنسان " انتهى من "
تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام " (1/118) .
وقال الشيخ عبد الكريم
الخضير حفظه الله :
" جاء الحديث مطلقاً لمن أراد أن يتوضأ ، أو لم يرد الوضوء هنا ، والعلة تقتضي
التعميم ، تعميم الحالات ، لكن جاء التقييد بالوضوء ، ومن أهل العلم من يرى أن كل
من استيقظ يلزمه أن يستنثر ثلاثاً؛ لأن العلة معقولة وليست مقرونة بوضوء، (فإن
الشيطان يبيت على خيشومه) افترضنا أن شخصاً استيقظ من نومه، وخرج إلى الدوام، العلة
أن الشيطان يبيت على خيشومه، هل نقول: إذا كنت لا تريد الوضوء، ولا تريد الصلاة لا
مانع من أن يستمر الشيطان في خيشومك؟ أو لا بد من إزالته ولو لم يرد الوضوء
والصلاة؟ نعم، هذه حجة من يقول: إنه لا بد من الاستنثار ولو لم يرد الصلاة ولو لم
يتوضأ؛ لأن هذا أمر مستقل، وما ورد فيه القيد بالوضوء لبعض الأفراد بحكم موافق ،
وحينئذٍ لا يقتضي التخصيص، نعم التنصيص على الاستنثار والاستنشاق مع الوضوء يدل على
شدة الاهتمام به والعناية، وأنه من أجزاء الوضوء .... " شرح بلوغ المرام للخضير .
فعلى هذا ؛ ينبغي لكل من استيقظ من النوم أن يستنثر إزالةً لأثر الشيطان من أنفه ، وإذا كان سيتوضأ ، فالأمر بالاستنثار حينئذ آكد .
والله أعلم .
تعليق