الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

ابنتهم ترتكب الكبائر والموبقات فكيف يتصرف أهلها معها ؟

96371

تاريخ النشر : 03-02-2007

المشاهدات : 35043

السؤال

أعرف أسرة ملتزمة - ولله الحمد - لكنهم ابتلوا بابنة لهم عاصية ، ترتكب المحرمات ، وأخص بالقول الكبار ، من عقوق الوالدين ، وفاحشة ، وشرب خمر ، وتدخين , هذه البنت لم تعد في بيت أهلها , فهي تهرب من البيت ، وفي بعض الأوقات تعود وتجلس في البيت لمدة قصيرة ، لكنها سرعان ما تخرج مرة ثانية من البيت ، ووالدتها ينفطر قلبها لما تفعل ، وحاليّاً تريد فتوى شرعية تبيِّن ماذا يتوجب على الوالدين فعله عندما تعود إلى البيت ؛ هل يطردونها ، أم يبقونها في البيت ، مع العلم أنها تشكل خطراً على إخوتها الصغار ؟

أفيدوني ، أفادكم الله ، والله يجزيكم عنا ألف ألف خير .
 

الجواب

الحمد لله.


نسأل الله تعالى أن يفرِّج همَّ تلك الأسرة ، وأن يرفع عنها البلاء ، وأن يأجرهم على صبرهم على مصيبتهم في ابنتهم ، كما نسأله تعالى أن يهدي تلك الابنة ، وأن يصلح قلبها ويوفقها للتوبة الصادقة .
ويجب أن يعلم أهلها أن ما يرونه من منكرات من ابنتهم يوجب عليهم إنكاره ، ومنعه .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 39 / 123 ، 124 ) :
" اتّفق الفقهاء على أنّ المنكر منهيّ عنه ، وقد ثبت النّهي عن المنكر بالكتاب والسنّة والإجماع ، فمن الكتاب قوله تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) ، ومِن السنّة قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) ، وحكى النّووي الإجماع على وجوب النّهي عن المنكر ." انتهى

وحديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ... ) رواه مسلم ( 49 ) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وهو يوجب على الآباء الأخذ على أيدي أبناتهم وبناتهم ، ومنعهم من إحداث المنكرات ، وتغييرها بأيديهم ؛ لأن لهم السلطة عليهم ، كما للحاكم سلطة على الناس .
قال النووي – رحمه الله - :
ثم إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض كفاية ، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين ، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف ، ثم إنه قد يتعين ، كما إذا كان في موضع لا يعلم به الا هو ، أولا يتمكن من إزالته الا هو ، وكمن يرى زوجته ، أو ولده ، أو غلامه على منكر ، أو تقصير في المعروف .
" شرح النووي على مسلم " ( 2 / 23 ) .

ويجب – ابتداءً - أن تعلم تلك الأسرة ثلاث مسائل مهمة :
الأولى :
أنه من الخطأ العظيم السماح لابنتهم بالخروج من البيت ، ولو إلى المدرسة ، أو حتى إلى المسجد ، بل عليهم منعها من ذلك ، ولو بالقوة ، أو بحبسها في غرفتها ، مع عدم تمكينها من شيء تؤذي به نفسها ، وعدم تمكينها من الاتصال بأحدٍ ؛ خشية أن تلحق الأذى بأهلها ، كما هو معمول به في بعض الدول الإسلامية التي تقلِّد به الدول الكافرة المنحلة من كل خلُق وفضيلة ؛ حيث تمنع الوالديْن من تربية أولادهم تربية إسلامية ، وتمنعهم من استعمال الشدة في التربية ، حتى لقد يسجنون الأب أو الأخ في حال ثبت منعه لإحدى أخواته من ممارسة حريتها – زعموا - !!

والثانية :
عدم طرد ابنتهم خارج البيت ، فإن فعلوا ذلك وطردوها : تسببوا في وقوعها في الآثام والمعاصي التي تفعلها خارج بيت أهلها ، ومكَّنوها من لقاء صحبتها الفاسدة ، والأمر الذي يؤدي إلى هذه الأفعال منها يصبح منكراً وحراماً ، فلا يجوز لهم الإنكار عليها بطردها ، ومن المعلوم في هذه الشريعة المطهرة أن إنكار المنكر يجب أن لا يؤدي إلى منكر أعظم منه ، وإلا كان هو بنفسه حراماً .

والثالثة :
أنه لا يجوز لأحدٍ من أهلها إقامة الحد عليها ، ولا قتلها ، كما تفعله بعض الأسَر ، وقد بيَّنا هذه المسألة بتفصيلٍ وافٍ في جواب السؤال رقم ( 8980 ) فلينظر .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن امرأة مزوجة بزوج كامل ، ولها أولاد ، فتعلقت بشخص من الأطراف أقامت معه على الفجور ، فلما ظهر أمرها : سعت في مفارقة الزوج ، فهل بقي لها حق على أولادها بعد هذا الفعل ؟ وهل عليهم إثم في قطعها ؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً ؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم ؟ .
فأجاب :
الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات ، فان لم تمتنع إلا بالحبس : حبسوها ، وإن احتاجت إلى القيد : قيدوها ، وما ينبغي للولد أن يضرب أمَّه ، وأما برُّها : فليس لهم أن يمنعوها برَّها ، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء ، بل يمنعوها بحسب قدرتهم ، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها ، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره ، وعليهم الإثم في ذلك .
" مجموع الفتاوى " ( 34 / ص 177، 178 ) .
وجواب شيخ الإسلام رحمه الله شمل المسائل الثلاثة التي نبهنا عليها ، وإذا كان – رحمه الله – قد أفتى بحبس الأم وربطها : فأولى أن يُفتى بذلك في الابنة ، وحق الابنة دون حق الأم بمراحل .

ونوصي الأهل – كذلك – بهذه الأمور :
1. مداومة النصح والتوجيه والوعظ للابنة العاصية ، وتنويع طرق ذلك ، فمرة منهم ، ومرة من غيرهم من أقاربهم ، أو من صديقاتها ، ومرة بالسماع ، وأخرى بالمشاهدة ، وثالثة بالقراءة ، ورابعة بذكر مآسي من سبقن إلى طريق الفساد والرذيلة ، وكيف آل أمرهم إلى الضياع في الدنيا , فضلا عما أعد الله تعالى لأهل معصيته ، والمتعدين لحدوده سبحانه .
2. الانتقال بالكلية من المكان الذي يعيشون فيه ، إن كانت بيئة ذلك المكان تؤثر سلباً على أخلاقها وسلوكها ، وإن تعذَّر ذلك : فلينتقل بعض أهلها للسكن في مكانٍ بعيد عن بيئتها الحالية ، إن رأى أهلها أن ذلك مما يمكن أن يساهم في إصلاح حال ابنتهم .
3. عدم تمكين صاحبات السوء من زيارة ابنتهم واللقاء بها .
4. لا مانع أثناء حبسها في البيت من تشغيل مواد نافعة لها ، كالبرامج الوثائقية ، أو الحوارات النافعة من القنوات الموثوقة ، وذلك لسببين :
الأول : حتى لا يقتلها التفكير والوحدة ، وتذهب أفكارها لأشياء فيها ضرر عليها .
والثاني : أنه قد يكون في بعض تلك المواد النافعة ما تتأثر به ، ويساهم في إصلاحها .
5. لا ينبغي أن يقع بين أفراد الأسرة خلاف أو تناقض في أمر حبسها في البيت ، ولا أن تأخذهم رأفة لحالها قبل أن يتأكدوا من صلاحها ، والله تعالى يقول : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2 ، فإذا كان الله تعالى قد نهى أن تأخذنا الرأفة أثناء إقامة الحد الشرعي : فأولى أن يكون الأمر كذلك عند التعزير .
6. وليحرص الجميع على الدعاء لها بصدق وإخلاص ، وخاصة أمها المكلومة ، وليثقوا بربهم تعالى أنه قادر على تغيير حالها إلى ما هو أحسن ، فليلحوا في الدعاء والسؤال .
ونسأل الله تعالى أن يوفقهم وأن يرفع البلاء عنهم ، ونسأله تعالى أن يهدي ابنتهم لما يحب تعالى ويرضى .

والله الموفق

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب