الاثنين 3 جمادى الأولى 1446 - 4 نوفمبر 2024
العربية

حكم شراء بيت بالربا في بلاد الكفر

101080

تاريخ النشر : 27-04-2007

المشاهدات : 69146

السؤال

أنا امرأة متزوجة ومنذ فترة تحسن عمل زوجي كثيرا والحمد لله ولكن بدلا من أن يشكر زوجي -هداه الله- الله عز و جل على هذه النعمة يصر على شراء بيت عن طريق الأقساط الربوية لقوله إن كثيراً من العلماء أجازوا ذلك لمن يعيش في بلد غير مسلم ، فهل أطلب الطلاق أم أبقى مع زوجي والإثم عليه وحده ؟ وهل أكون آثمة إذا قمت باختيار بيت غالي الثمن لكي يشعر زوجي بأنه غير قادر على دفع أقساط عالية ويرتدع عن شراء بيت ربوي؟ أرجوكم لا تهملوا هذا السؤال لأنه مهم جدا . ماذا أفعل هل أطلب الطلاق أم ماذا؟ أرجوكم انصحوني فأنا حائرة جدا لأنه عندنا ولد.

الجواب

الحمد لله.

أولا :
لا يجوز شراء بيتٍ أو غيره عن طريق الربا ، سواء كان ذلك في بلاد إسلامية أو غير إسلامية ؛ لعموم الأدلة التي تحرّم الربا وتلعن آكله وموكله ، وهذا مذهب جمهور أهل العلم .
وذهب الحنفية إلى أنه يجوز أخذ الربا من الحربيين في دار الحرب، وتصحيح كل عقد أو معاملة تعود على المسلم بنفع ما دامت قائمة على التراضي، وليس فيها غش ولا خيانة.
قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (7/132) : " وعلى هذا إذا دخل مسلم أو ذمي دار الحرب بأمان , فعاقد حربيا عقد الربا أو غيره من العقود الفاسدة في حكم الإسلام جاز عند أبي حنيفة , ومحمد - رحمهما الله - وكذلك لو كان أسيرا في أيديهم أو أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا , فعاقد حربيا ... وجه قولهما: أن أخذ الربا في معنى إتلاف المال , وإتلاف مال الحربي مباح , وهذا لأنه لا عصمة لمال الحربي , فكان المسلم بسبيلٍ من أخذه إلا بطريق الغدر والخيانة , فإذا رضي به انعدم معنى الغدر " انتهى .
وقال ابن الهمام في "فتح القدير" (7/39) : " الظاهر أن الإباحة تفيد نيل المسلم الزيادة , وقد التزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظرا إلى العلة " انتهى .
وينظر : تبيين الحقائق (4/97)، العناية شرح الهداية (7/38)، حاشية ابن عابدين (5/186).
وقد تبين من هذا أن الحنفية يجيزون أخذ الربا من الكافر الحربي – في دار الحرب - ؛ لأن ماله مباح أصلا ، فيجوز أخذه برضاه عن طريق الربا .
وأما أن يدفع المسلم الربا للكافر ، فهذا لا يجوز .
وبهذا يتبين خطأ من يفتي المسلمين بدفع الربا في بلاد الكفر ، اعتمادا على مذهب الحنفية .
والحق أن الربا كله محرم ، لا فرق بين أن يكون بين مسلمَيْن ، أو بين مسلم وكافر ، وآكل الربا وموكله كلاهما متوعَّد بالوعيد الشديد ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/47) : " ويحرم الربا في دار الحرب , كتحريمه في دار الإسلام . وبه قال مالك , والأوزاعي , وأبو يوسف , والشافعي , وإسحاق ...
لقول الله تعالى : ( وحرم الربا ). وقوله : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) . وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ) . وقوله صلى الله عليه وسلم ( : من زاد أو ازداد فقد أربى ). عام , وكذلك سائر الأحاديث . ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب , كالربا بين المسلمين " انتهىباختصار .
ثانيا :
إذا أصر زوجك على التعامل بالربا ، فإن الإثم يلحقه هو ، ولا يضرك ذلك ما دمت كارهة لعمله ، ولهذا لا ينبغي أن تطلبي الطلاق ، ولكن استمري في نصحه وتحذيره من الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة ، وذكريه بأن ما عند الله خير وأبقى ، وأن سكن الإنسان بالأجرة ولو كانت مرتفعة خير له من امتلاك منزل عن طريق الربا .
ولا حرج في استعمال الحيلة التي ذكرت ، من التظاهر بالرغبة في شراء بيت غالي الثمن ، لا يتمكن من دفع أقساطه ، لينصرف عن الربا .
نسأل الله لكما التوفيق والسداد ، والرضا والقناعة ، وأن يصرف عنكما الربا وإثمه وهمّه وسوء عاقبته .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب