الحمد لله.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أظهر شعائر الإسلام ، وهو صفة للأمة صاحبة الخيريّة ، كما قال تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) آل عمران/110 .
وله شروط وآداب سبق بيانها في جواب السؤال رقم (96662) .
وإذا كان يترتب على الإنكار مفسدة أعظم ، لم يجب ، بل يحرم حينئذ ؛ لأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، ودرء المفاسد وتقليلها .
وانشغال الشاب بالإنكار على كل متبرجة في طريقه – في بلد يكثر فيه التبرج - قد يكون سببا لفتنته ، ولإساءة الظن به ، مع شغل وقته وزمانه ، لكن عليه أن يشتغل بدعوة قريباته وأهله ، وأن يبين لهم حرمة التبرج ، ووجوب الحجاب ، ففي ذلك خير عظيم ، وتقليل للمنكر والشر .
وقد قرر جمع من أهل العلم أنه إذا غلب الظن عدم الاستجابة والانتفاع بالإنكار لم يجب .
قال ابن رشد رحمه الله في "البيان والتحصيل" : " إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم بثلاثة شروط :
أحدها : أن يكون عارفا بالمعروف والمنكر . إذ لا يأمن من أن ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر لجهله بحكمهما.
والثاني : أن لا يؤدي إنكاره المنكر إلى منكر أكبر منه مثل أن ينهاه عن شرب الخمر فيؤول نهيه عن ذلك إلى قتل نفس وما أشبه ذلك .
والثالث : أن يعلم أو يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له , وأن أمره مؤثر ونافع . فالشرطان : الأول والثاني مشترطان في الجواز ، والشرط الثالث مشترط في الوجوب فإذا عُدم الشرط الأول والثاني لم يجز أن يأمر ولا ينهى , وإذا عدم الشرط الثالث ووجد الشرط الأول والثاني جاز له أن يأمر وينهى ولم يجب ذلك عليه " انتهى نقلا عن "المدخل" لابن الحاج (1/70) باختصار .
وقال الغزالي في الإحياء (2/328) : " إذا علِم أنه لا يفيد إنكاره ، ولكنه لا يخاف مكروها فلا تجب عليه الحسبة لعدم فائدتها ، لكن تستحب لإظهار شعائر الإسلام وتذكير الناس بأمر الدين " انتهى .
وينظر : الفروق ، للقرافي (4/255).
ومنه يعلم أنه إذا غلب على الظن عدم الاستجابة سقط الوجوب .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية , إذا قام به مَن يكفي سقط عن الناس , وإذا لم يقم به من يكفي : وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر , لكن لابد أن يكون بالحكمة ، والرفق ، واللين ؛ لأن الله أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) طه/44 ، أما العنف : سواء كان بأسلوب القول ، أو أسلوب الفعل : فهذا ينافي الحكمة , وهو خلاف ما أمر الله به .
ولكن أحياناً يعترض الإنسان شيء يقول : هذا منكر معروف , كحلق اللحية مثلاً , كلٌّ يعرف أنه حرام ، خصوصاً المواطنون في هذا البلد , ويقول : لو أنني جعلتُ كلما رأيت إنساناً حالقاً لحيته - وما أكثرهم - وقفتُ أنهاه عن هذا الشيء : فاتني مصالح كثيرة , ففي هذه الحال : ربما نقول بسقوط النهي عنه ؛ لأنه يفوِّت على نفسه مصالح كثيرة , لكن لو فرض أنه حصل لك اجتماع بهذا الرجل في دكان أو في مطعم أو في مقهى : فحينئذٍ يحسن أن تخوفه بالله , وتقول : هذا أمر محرم ، وأنت إذا أصررت على الصغيرة صارت في حقك كبيرة , وتقول الأمر المناسب " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (110/5) .
والله أعلم .
تعليق