الحمد لله.
إذا كان هذا المنزل سيتخذه الساحر أو الكاهن لممارسة السحر والكهانة ، فلا يجوز بيعه له ، ولا تأجيره عليه ، ولا يجوز العمل في بنائه أو دهنه ، لأنه محل أقيم للمعصية ، فلا يعان عليه بوجه من الوجوه ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، ولما جاء من الأدلة في وجوب إنكار المنكر ، وذم الساكت والمقر له ، فكيف بالمعين عليه !
قال ابن قدامة : " وجملة ذلك ; أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم " ثم قال : " وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار , وأشباه ذلك . فهذا حرام , والعقد باطل . انتهى من "المغني" (4/154).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك ، كمذهب أحمد وغيره , أو ظنّ ، وهو أحد القولين ، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388).
وقال في "مطالب أولي النهى" (3/607) : "ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة , أو بيت نار لتعبده المجوس , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية ، قال تعالى : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) . أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع , وسواء شرط ذلك المحرم ; بأن شرط المستأجر استئجارها لهذا الغرض المحرم أو لم يشترط ، ولكنه علم بالقرائن أن سيستعملها في ذلك المحرم . " انتهىبتصرف .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (8/228) : " لما كان المقصود من عقد إجارة البيت هو بيع منفعته إلى أجل معلوم , اشتُرط في المنفعة ما يشترط في المعقود عليه في عقد البيع , وهو أن لا يمنع من الانتفاع بها مانع شرعي , بأن تكون محرمة كالخمر وآلات اللهو ولحم الخنزير . فلا يجوز عند جمهور الفقهاء إجارة البيت لغرض غير مشروع , كأن يتخذه المستأجر مكانا لشرب الخمر أو لعب القمار , أو أن يتخذه كنيسة أو معبدا وثنيا . ويحرم حينئذ أخذ الأجرة كما يحرم إعطاؤها , وذلك لما فيه من الإعانة على المعصية " انتهى.
وأما إن كان الساحر سيتخذه للسكنى ، وعلمتَ بالتصريح أو بالقرائن أنه لا يتخذه مقرا لعمل السحر والباطل ، فيجوز بناؤه ودهنه ، وإن كان الأولى هو البعد عن ذلك ؛ لأن الساحر ينبغي هجره وزجره ووقوف المجتمع في وجهه حتى يتوب من فعله المحرم .
وقد تبين بهذا الفرق بين الدار التي تُتّخذ للمعصية ، وبين التي تتخذ للسكنى ، وإن كان سيسكنها العاصي أو الكافر ، فإنه لا يمنع الإنسان من بناء بيتٍ لكافر أو عاص .
والله أعلم .
تعليق