الحمد لله.
أولا :
دلت السنة الصحيحة على أن المصلي يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم ، ويقول في سجوده : سبحان ربي الأعلى ، وهذا ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره .
فقد روى مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ثم ذكر الحديث .... وفيه: ( ثُمَّ رَكَعَ , فَجَعَلَ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ) .
وروى أحمد وأبو داود (869) وابن ماجه (887) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضى الله عنه قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ . فَلَمَّا نَزَلَتْ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) قَالَ : اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ . حسنه الألباني في مشكاة المصابيح .
وثبتت صيغ أخرى تقال في الركوع كقوله : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، وينظر جواب السؤال (39172) .
ثانيا :
اختلف الفقهاء في حكم التسبيح في الركوع والسجود ، فذهب الجمهور إلى أنه مستحب ، وذهب أحمد وإسحاق وداود إلى وجوبه ، وهو الراجح .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/297) : " والمشهور عن أحمد أن تكبير الخفض والرفع , وتسبيح الركوع والسجود , وقول : سمع الله لمن حمده , وربنا ولك الحمد , وقول : ربي اغفر لي - بين السجدتين - , والتشهد الأول , واجب . وهو قول إسحاق , وداود .
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به - وأمره للوجوب - , وفعَله . وقال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ، وقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ إلى قوله : ثم يكبر , ثم يركع حتى تطمئن مفاصله , ثم يقول : سمع الله لمن حمده , حتى يستوي قائما ثم يقول : الله أكبر , ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا , ثم يقول : الله أكبر . ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا , ثم يقول : الله أكبر . ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله , ثم يرفع رأسه فيكبر . فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته ) . وهذا نص في وجوب التكبير" انتهى . وهذا الحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "قول المصلِّي في ركوعه: "سبحان رَبِّي العظيم" واجب، وفي سجوده: "سبحان رَبِّي الأعلى" واجب.
والدليل على هذا : أنه لما نَزَلَ قول الله تعالى : ( فسبح باسم ربك العظيم ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" وهذا بيانٌ مِن النبي صلى الله عليه وسلم لموضع هذا التسبيح ، ومِن المعلوم أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن يجب علينا أن نَرْجِعَ إليه ؛ لأن أعلم الخَلْقِ بكلام الله هو رسول الله ، ولهذا كان تفسير القرآن بالسُّنَّة هو المرتبة الثانية ، فالقرآن نُفسِّرُه أولاً بالقرآن ، ويُفسَّر بعد ذلك بسُنَّة رسول الله؛ لأنها تبيِّنه مثل هذه الآية : ( فسبح باسم ربك العظيم) حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" .
وهذا بيان لموضع هذا التَّسبيح .
وأما تسبيحة السُّجود فهي أيضاً مفسَّرة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في سجودكم" حين نَزَلَ قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)" انتهى من "الشرح الممتع" (3/320).
وعلى القول بالوجوب ، فإن من تعمد ترك التسبيح ، أو تعمد أن يقول في الركوع : سبحان ربي الأعلى ، دون أن يقول : سبحان ربي العظيم ، فصلاته باطلة ؛ لأنه تعمد ترك واجب ، وأما على قول الجمهور ، فقد ترك مستحبا وصلاته صحيحة ، وهذا الإمام إن كان مقلدا لمذهب من يرى الاستحباب ، فصلاته صحيحة ، والصلاة خلفه جائزة ، لكن ينبغي نصحه ، وحثه على التزام السنة ، ففي التزامها الخير والهدى والفلاح ، والمصلي مأمور بأن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته من غير زيادة ولا نقصان ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله : ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) رواه البخاري (631) ، فلا يليق بهذا الإمام أو غيره أن يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعرض صلاته للبطلان .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
تعليق