الحمد لله.
أولاً:
نحمد الله تعالى أن منَّ عليك بالهداية ، ونسأله تعالى أن يوفقك لمزيد من الهدى ، وأن يثبت قلبك على الإيمان ، وأن يطهر جوارحك من الآثام .
واعلم أخي الفاضل أن الدنيا مهما اتسعت لصاحبها فإن مصيره دار ضيقة وهي القبر ، وأن النِّعم مهما عظمت فمصير بدنه أن يكون طعاماً للدود ، واعلم أن الحياة الحقيقية هي الحياة في الآخرة ، وأن الدار التي يحرص المسلم على سكناها هي الجنة ، حيث لا هم ولا حزن ، ولا مرض ولا ملل ، يتقلب فيها بين نعَم الله تعالى وأفضاله .
ثانياً:
أما عملك الحالي : فإنك لا تشك أن فيه من الحرام الشيء الكثير ، وهو كذلك ، فكل تقرير تشارك في إعداده يحتوي على أمرٍ محرَّم منكر – كموسيقى ، أو نساء متبرجات ، أو دعوة لأمر محرَّم مخالف للشرع - : فلك نصيب من الإثم بقدر مساهمتك ومشاركتك في ذلك الإعداد ، وهو من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه في قوله تعالى ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/ 2 .
وقد أمرنا الله تعالى أن نسعى في الأرض لطلب الرزق ، لكنه حرَّم علينا الكسب من حرام ، فكل عملٍ يساهم في ظهور المنكر وانتشاره بين الناس فهو عمل محرم ولا يخفى عليكم أن اعتياد الناس المحرمات كتبرج النساء والاختلاط والموسيقى .. وغير ذلك كثير إنما كان سببه الإعلام .
ثالثاًَ:
الذي ننصحك به هو أن تبحث عن مجال مباح في الوظيفة نفسها ، ولا تتعجل تركها إذا وجدتَ مجالاً آخر لا حرج فيه شرعاً ، ولو أدى هذا إلى أن تعمل في غير تخصصك ، لكن إن وجدت باباً في تخصصك ويكون مجال العمل مباحاً : فانتقل إليه ، فإن لم يتيسر لك ذلك ، وضاقت عليك فرص الحصول على عمل مباح في قسمك أو في قسم آخر : فليس لك إلا ترك الوظيفة ، محتسباً تركها لله تعالى ، راجياً أن تكون طائعاً لربك في الابتعاد عن كل ما يسخطه عز وجل ، وراجياً أن يكرمك الله في الدنيا والآخرة ، واعلم أنك إن اتقيت ربَّك تعالى في نفسك ووظيفتك ومالك : فإن لك الوعد منه عز وجل بالخير في الدنيا والآخرة ، كما قال ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/ 2،3 .
رابعاً:
أما المال الذي اكتسبته سابقاً : ففيه تفصيل :
1. إذا لم تكن تعلم أن عملك محرم : فالمال الذي اكتسبته منه وتجمع عندك حلال ، لك التصرف فيه وفق شرع الله ، وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حالة مشابهة في جواب السؤال رقم : ( 12397 ) .
2. وإذا كنتَ تعلم أن عملك محرماً : فإن عليك أن تقدِّر نسبة الحرام في عملك ، فتخرجها من مجموع المال الذي تملكته منه ، وتنفقها في وجوه الخير المختلفة ، وتنتفع بالباقي فهو لك حلال ، وذلك أن عملك ليس كله حراماً ، ويرجع تقدير النسبة فيه إليك .
3. لا حرج عليك في إعطاء والدتك من المال الذي تنوي إنفاقه لتحج به – إن كان الأمر على الصورة الثانية - ، ولا حرج عليها من قبوله ، فالمال المحرَّم كسبه إنما يكون حراماً على كاسبه فقط لا على المنتقل إليه .
والله أعلم
تعليق