الحمد لله.
نسأل الله تعالى أن يوفقك ، ويهديك ، ويثيبك خيراً على ورعك ، وتحريك الحلال في عملك وكسبك .
ولا مانع من دراسة علم " المحاسبة " ، فإن جميع الشركات والمؤسسات تحتاج إلى هذا العلم ، والاستفادة منه .
وجواز الدراسة لهذا العلم لا يعني أن يعمل المسلم محاسباً في البنوك الربوية ، القائمة أعمالها على الحرام ، أو في الشركات والمؤسسات والمصانع التي تخلط الحلال بالحرام في عملها ومالها ؛ لما في كتابة الربا من الإثم ، واستحقاق العقوبة ؛ ولما فيه من التعاون على الإثم والعدوان ، وكل ذلك من المحرمات .
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ ) رواه مسلم ( 1598 ) .
قال النووي رحمه الله :
" هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين ، والشهادة عليهما ، وفيه تحريم الإعانة على الباطل " انتهى .
" شرح مسلم " ( 11 / 26 ) .
وقال الصنعاني رحمه الله :
" أي : دعَا على المذكورِين بالإبعاد عن الرحمة ، وهو دليل على إثم مَن ذُكر ، وتحريم ما تعاطوه ، وخصَّ الآكل لأنه الأغلب في الانتفاع ، وغيره مثله ، والمراد من " مُوكله " : الذي أعطى الربا ؛ لأنه ما تحصل الربا إلا منه ، فكان داخلاً في الإثم ، وإثم الكاتب والشاهديْن : لإعانتهم على المحظور ، وذلك إذا قصَدَا وعرَفَا بالربا " انتهى .
" سبل السلام " ( 3 / 66 ) .
فلا مانع من دراستك لعلم المحاسبة – ضمن الضوابط الشرعية - ، ويجوز لك العمل بعدها في أماكن لا ترتكب فيها حراماً ، كالمحاكم الشرعية ، أو الشركات والمؤسسات ذات الأعمال الحلال ، فإن لم تجد : فيمكنك العمل في قسم مباح – كتوزيع منتجات المصانع والشركات - ، ولا يهم أن يكون أموال تلك الشركات في البنوك ، أو أنها تقترض أو تُقرض بالحرام ، والمهم في هذا الجانب هو حل عملك الذي تقوم به – كتوزيع منتجات مباحة - ، وأن لا تكون المؤسسة قائمة على الحرام كالبنوك الربوية ، ومصانع تصنيع الخمر ، وما شابه ذلك .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
أعمل في وظيفة " محاسب " في إحدى الشركات السعودية التي تعمل في مجال التشغيل والصيانة ، وقد اضطرت هذه الشركة لأخذ قروض من أحد البنوك الربوية ، وهذه القروض بفوائد شهرية ، وأنا بصفتي محاسب الشركة أقوم بإصدار الشيكات ، وتسجيل المصروفات ، والإيرادات في الدفاتر ، ومن ضمنها تلك الفوائد كمصاريف على الشركة تضاف لحساب البنك ، علما بأنني نصحت المدير ، وقال : إنه مضطر لأخذ المبالغ من البنك ، لدفع رواتب العمال ، وشراء المواد المختلفة للمشاريع ، وتسيير العمل ، لقد اعترضت أنا على ذلك بشدة ، ووعدت بالاستقالة ، ولكن كما تعلمون أن إقامتي عليهم ، وصرَّحوا بأنهم سوف لن يسمحوا لي بأن أنقل الكفالة لأعمل في مكان آخر ، بل سوف يصدرون تأشيرة خروج نهائي بتسفيري إلى بلدي ، ولا يخفى عليكم الفائدة الدينية والدنيوية التي أجدها في هذه البلاد بفضل الله سبحانه وتعالى ، فقد منَّ الله علينا بالهداية في هذه البلاد ، فلله الحمد والمنَّة ، وسؤالي هو : ماذا أعمل الآن ؟ هل أستمر في العمل والنصح مع استنكاري الشديد ، أم أتقدم باستقالتي وأسافر إلى بلدي التي لا يخفى عليكم حالها دينيّاً ودنيويّاً ؟ .
فأجابوا :
"العمل في الشركة المذكورة التي تتعامل بالاقتراض من البنك بالفائدة ، مع تسجيلك لها في دفاتر الشركة : لا يجوز ؛ لأن ذلك من كتابة الربا ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ( لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : هم سواء ) ، وعليك بالبحث عن عمل آخر ، وسوف ييسر الله أمرك إن شاء الله ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/ 2 ، 3 ، يسَّر الله أمرك ، وأصلح حال الجميع " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 27 – 29 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لا يجوز العمل بالمؤسسات الربويَّة ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً ؛ وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربويَّة يستلزم الرضى بها ؛ لأن من أنكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته ، فإذا عمل لمصلحته كان راضياً به ، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه .
أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك : فهو لا شك أنه مباشر للحرام ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ، وقال : هم سواء . " فتاوى إسلامية " ( 2 / 401 ) .
وانظر أجوبة الأسئلة : (21113) و (26771) و (38877) .
والله أعلم
تعليق