الحمد لله.
هذه العبارة معناها : أن الإنسان لو يعلم ما يكون له في الغيب ، لكان تجنب ما يقابله من المشاكل والشرور ؛ وهي متفقة مع عقيدة المسلم ، وليس فيها أي خطأ أو محذور ؛ لأن الغيب مما استأثر الله به ، ولو فُرض أن الناس يطلعون على الغيب ويعلمون بالحوادث قبل وقوعها لاستكثروا من كل خير ، واجتنبوا كل شر ، فنظروا أسباب الصحة والغنى والسعادة فسلكوها ، ورأوا أسباب الفقر والمرض والهلاك فاجتنبوها ، وهو فرض عقلي لأمر مستحيل ، الغاية منه بيان عجز الإنسان وضعفه واستسلامه للقدر الذي قضاه الله عز وجل .
وفي القرآن الكريم ما يدل على صحة معنى هذه العبارة .
يقول الله تعالى : ( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/188
جاء في تفسير ابن كثير "تفسير القرآن العظيم" (3/524) قوله :
" والأحسن في هذا ما رواه الضحاك ، عن ابن عباس : ( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ) أي : من المال . وفي رواية : لعلمت إذا اشتريت شيئًا ما أربح فيه ، فلا أبيع شيئًا إلا ربحت فيه ، وما مسني السوء ، قال : ولا يصيبني الفقر .
وقال ابن جرير : وقال آخرون : معنى ذلك : لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة ، ولعرفت الغَلاء من الرخص ، فاستعددت له من الرخص .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) قال : لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون واتقيته " انتهى .
ويقول الشيخ السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (ص/311) :
" ( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) أي : لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع ، ولحذرت من كل ما يفضي إلى سوء ومكروه ، لعلمي بالأشياء قبل كونها ، وعلمي بما تفضي إليه .
ولكني - لعدم علمي - قد ينالني ما ينالني من السوء ، وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها ، فهذا أدل دليل على أني لا علم لي بالغيب " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم (49004)
والله أعلم .
تعليق