الحمد لله.
بل نعلم كم أنتِ ضائعة ! ونعلم أنكِ أوبقتِ نفسك ، وسلكتِ طريق المهالك ، ولا ندري كيف وصل الحال بك لهذا وأنت تصفين نفسك بأنكِ كنتِ مولعة ! بالدين ، ومدمنة ! على العبادة ، والأصل فيمن كان هذا حاله أن يزداد قرباً من ربه ، وأن يتعلق قلبه بالإسلام أكثر ، وأن يصبح ويمسي وهو يشتاق للجنة ولقاء الله تعالى ، لا أن ينقلب على عقبيه ، وينتكس بعد الهداية .
وما تذكرينه من أعذار ليس بشيء ، فكثرة الجماع والاغتسال لا تمنع من إقامة الصلاة ، وكثرة المسئوليات لا تجعل المرء يرضى لنفسه الخروج من الإسلام لأجل تحملها ، ولو تأملتِ في النساء حولك لرأيت من عندها عشرة من الأولاد أو أقل أو أكثر ، ولم يعقها ذلك عن إقامة الصلاة ، والقيام بحقوق الزوج ، وتربية أولادها ، والأمر يرجع إلى الإنسان نفسه ، فأي طريق رضي سلوكها فقد رضيها طريقاً ، ورضي بعواقبها ، وهل كنتِ تعتقدين أن من ترك الصلاة أنه سيثاب ، ويُعان ، وتَدخل السعادة لحياته ؟! بل لا ينتظر هذا إلا الشقاء والبؤس والحرمان من السعادة والتخلي عن إعانته ، ولن يكون مصيره في الآخرة إذا مات على هذا إلا النار – والعياذ بالله - .
إنهما صورتان متضادتان ، في الفعل ، وفي الحكم ، الأولى : لمن آمن وعمل صالحاً ، والثانية لمن أعرض عن ذكر الله ، فالأولى : وعد الله تعالى أصحابها بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة ، والثانية : توعَّد الله تعالى عليها بالشقاء والضنك في الدنيا والآخرة .
في الأولى قال ربنا تبارك وتعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97
وفي الثانية قال ربنا تبارك وتعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/ 124 .
وأنتِ قد اخترتِ بملء إرادتك الطريق الثانية ، فرأيتِ الضياع ، والضنك ، وهذا كله يهون في مقابل ما توعدك الله عليه في الآخرة !
قال ابن القيم – رحمه الله - :
والمقصود : أن الله سبحانه أخبر أن من أعرض عن ذكره - وهو الهدى الذي من اتبعه لا يضل ولا يشقى - : بأن له معيشة ضنكاً ، وتكفل لمن حفظ عهده أن يحييه حياة طيبة ، ويجزيه أجره في الآخرة ، فقال تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) فأخبر سبحانه عن فلاح من تمسك بعهده علما وعملا ، في العاجلة بالحياة الطيبة ، وفي الآخرة بأحسن الجزاء ، وهذا بعكس من له المعيشة الضنك في الدنيا ، والبرزخ ، ونسيانه في العذاب بالآخرة ، وقال سبحانه : ( ومَن يَعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين . وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ) فأخبر سبحانه أن من ابتلاه بقرينه من الشياطين ، وضلاله به : إنما كان بسبب إعراضه وعشوه عن ذكره الذي أنزله على رسوله ، فكان عقوبة هذا الإعراض أن قيَّض له شيطاناً يقارنه ، فيصده عن سبيل ربه ، وطريق فلاحه ، وهو يحسب أنه مهتد ، حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه ، وعاين هلاكه وإفلاسه : قال : ( يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين ) وكل مَن أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله : فلا بدَّ أن يقول هذا يوم القيامة .
" مفتاح دار السعادة " ( 1 / 43 ، 44 ) .
فها هما الطريقان أمامكِ ، اختاري أيهما شئتِ ، وعلى حسب اختيارك تكون العاقبة ، في الدنيا والآخرة .
واعلمي أن ترك الصلاة كفر مخرج من الملة ، ويترتب على ذلك فسخ عقد الزوجية ، وعدم توريثك من أهلك المسلمين شيئاً ، وعدم الصلاة عليكِ بعد الموت ، ولا دفنك في مقابر المسلمين ، نعم ، هذه هي أحكام المرتدين ، الذين أنعم الله عليهم بالهداية للإسلام ، فذاقوا طعم الإسلام ، وحلاوة الإيمان ، ثم رضوا لأنفسهم بالكفر والردة عن الدين .
ولا نجد ما ننصحك به إلا سلوك طريق الإيمان ، وهو طريق السعادة في دنياكِ وأخراكِ ، واستعيني بالله تعالى على القيام بواجباتك تجاه زوجك وأسرتك ، ونظمي مع زوجك أوقات الجماع ، وارجعي لسالف عهدك من الطاعة والعبادة ، قبل أن يُختم لك بشر خاتمة ، فتلقي ربك تعالى وأنت بأسوأ حال – والعياذ بالله - ، وهو ما لا نتمناه لكِ .
واعلمي ـ أنت وهو ، يا أمة الله ـ أن الحياة الزوجية ليست انهماكا في شهوات البطن والفرج ، كما قد يظن بعض الغافلين ، بل هي زيادة أعباء ، وتحمل أمانات ، والموفق من يُعان على الموازنة بين الحقوق ، وإعطاء كل ذي حق حقه .
آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنُكِ ؟
قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا !!
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ [ يعني : قال : سلمان لأبي الدرداء ] : كُلْ !!
قَالَ [ أبو الدرداء ] : فَإِنِّي صَائِمٌ !!
قَالَ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ؛ قَالَ : فَأَكَلَ !!
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ ، قَالَ : نَمْ ، فَنَامَ !! ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ ، فَقَالَ : نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ : قُمْ الْآنَ ، فَصَلَّيَا .
فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ !!
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَ سَلْمَانُ )
رواه البخاري (1986)
وانظري – للأهمية – جواب السؤال رقم ( 14296 ) ، ورقم (82866) .
والله الموفق
تعليق