السبت 2 ربيع الآخر 1446 - 5 اكتوبر 2024
العربية

موت الملائكة

105309

تاريخ النشر : 03-08-2010

المشاهدات : 265746

السؤال

عندي سؤال مهم جدا ، وأنا من رواد المنتديات ، ومشرف على أحد المنتديات الإسلامية ، وقد نشر أحد الأعضاء موضوعا عن موت الملائكة . فأرجو لرحابة صدرك أن ترد علينا بخصوص هذا الموضوع . بعدما ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور النفخة الأولى ، تستوي الأرض من شدة الزلزلة ، فيموت أهل الأرض جميعا ، وتموت ملائكة السموات السبع ، والحجب والسرادقات والصافون والمسبحون وحملة العرش وأهل سرادقات المجد والكروبيون ، ويبقى جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام ‎. موت جبريل علية السلام‎ : يقول الجبار جل جلاله : يا ملك الموت من بقي ؟ وهوأعلم ، فيقول ملك الموت : سيدي ومولاي أنت أعلم : بقي إسرافيل وبقي ميكائيل وبقي جبريل وبقي عبدك الضعيف ملك الموت خاضع ذليل قد ذهلت نفسه لعظيم ما عاين من الأهوال . فيقول له الجبار تبارك وتعالى : انطلق إلى جبريل فاقبض روحه ، فينطلق إلى جبريل فيجده ساجدا راكعا فيقول له : ما أغفلك عما يراد بك ! يا مسكين ! قد مات بنو آدم وأهل الدنيا والأرض والطير والسباع والهوام وسكان السموات وحملة العرش والكرسي والسرادقات وسكان سدرة المنتهى ، وقد أمرني المولى بقبض روحك‎ ! فعند ذلك يبكي جبريل عليه السلام ويقول متضرعا إلى الله عز وجل : يا الله ! هوِّن عليَّ سكرات الموت . ( يا الله هذا ملك كريم يتضرع ويطلب من الله بتهوين سكرات الموت ، وهو لم يعص الله قط ، فما بالنا نحن البشر ونحن ساهون لا نذكر الموت إلا قليلا ) فيضمه ضمة فيخر جبريل منها صريعا ، فيقول الجبار جل جلاله : من بقي يا ملك الموت ؟_ وهو أعلم _ فيقول : مولاي وسيدي بقي ميكائيل وإسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت‎ . موت ميكائيل عليه السلام . ( الملك المكلف بالماء والقطر ) فيقول الله عز وجل انطلق إلى ميكائيل فاقبض روحه . فينطلق إلى ميكائيل فيجده ينتظر المطر ليكيله على السحاب . فيقول له : ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك ! ما بقي لبني آدم رزق ولا للأنعام ولا للوحوش ولا للهوام , قد أهل السموات والأرضين وأهل الحجب والسرادقات وحملة العرش والكرسي وسرادقات المجد والكروبيون والصافون والمسبحون ، وقد أمرني ربي بقبض روحك . فعند ذلك يبكي ميكائيل ويتضرع إلى الله ويسأله أن يهون عليه سكرات الموت , فيحضنه ملك الموت ويضمه ضمة يقبض روحه ، فيخر صريعا ميتا لا روح فيه . فيقول الجبار جل جلاله : من بقي - وهو أعلم - ياملك الموت ؟ فيقول : مولاي وسيدي أنت أعلم ، بقي إسرافيل وعبدك الضعيف ملك الموت ‎. موت إسرافيل عليه السلام . ( الملك الموكل بنفخ الصور )‎ فيقول الجبار تبارك وتعالى : انطلق إلى إسرافيل فاقبض روحه . فينطلق كما أمره الجبار إلى إسرافيل‎ ( واسرافيل ملك عظيم ) , فيقول له ما أغفلك يا مسكين عما يراد بك! قد ماتت الخلائق كلها وما بقي أحد ، وقد أمرني الله بقبض روحك , فيقول إسرافيل : سبحان من قهر العباد بالموت , سبحان من تفرد بالبقاء , ثم يقول : مولاي ! هوِّن عليَّ مرارة الموت . فيضمه ملك الموت ضمه يقبض فيها روحه ، فيخر صريعا ، فلو كان أهل السموات والأرض في السموات والأرض لماتوا كلهم من شدة وقعته ‎. موت ملك الموت عليه السلام . ( الموكل بقبض الأرواح ) فيسأل الله ملك الموت : من بقي يا ملك الموت ؟ - وهو أعلم - فيقول : مولاي وسيدي أنت أعلم بمن بقي ، بقي عبدك الضعيف ملك الموت . فيقول الجبار عز وجل : وعزتي وجلالي لأذيقنك ما أذقت عبادي ، انطلق بين الجنة والنار ومت . فينطلق بين الجنة والنار فيصيح صيحة لولا أن الله تبارك وتعالى أمات الخلائق لماتوا عن آخرهم من شدة صيحته فيموت ‎. ثم يطلع الله تبارك وتعالى إلى الدنيا فيقول :يا دنيا ! أين أنهارك ! أين أشجارك ! وأين عمارك ! أين الملوك وأبنا الملوك ! وأين الجبابرة وأبناء الجبابرة ! أين الذين أكلوا رزقي وتقلبوا في نعمتي وعبدوا غيري ! لمن الملك اليوم ؟ فلا يجيبه أحد‎ . فيرد الله عز وجل فيقول : الملك لله الواحد القهار . وأرجو من حضرتكم إرسال بعض المعلومات عن هذا الموضوع على هذا الإيمل ، لكي أستطيع الرد على إخواننا بالمنتدى بصيغة شرعية .

الجواب

الحمد لله.


الملائكة من الغيب الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى بالإيمان به ، وأطلعنا على شيء من حقيقته ، وأوجب علينا سبحانه الوقوف عند ما جاء به الوحي في ذلك ، ونهانا عن الخوض فيها بغير دليل ولا برهان .
يقول الله عز وجل : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء/36
فمن خاض في الملائكة بغير حجة صحيحة فقد تجاوز الحدود ، وتعرض للسؤال عند علام الغيوب سبحانه وتعالى .
وفي شأن موت الملائكة ، اختلف أهل العلم على قولين :
القول الأول :
أن الملائكة تموت ، وهو قول أكثر أهل العلم ، حتى نقل المناوي الإجماع عليه في "فيض القدير" (3/561) ، ثم إذا ماتوا أحياهم الله تعالى قبل الناس .
واستدل من قال به بعدة أدلة :
1- يقول الله سبحانه وتعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) القصص/88
قالوا : فقد كتب الله تعالى الهلاك على كل ما سواه ، ولم يستثن أحدا من خلقه ، فشمل بذلك الملائكة .
جاء في "تفسير القرطبي" (17/165) :
" وقال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية – يعني قوله تعالى ( كل من عليها فان ) - قالت الملائكة : هلك أهل الارض ، فنزلت : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) ، فأيقنت الملائكة بالهلاك ، وقاله مقاتل " انتهى .
وقد يجاب عن هذا بأنه أثر معلق عن ابن عباس ، لم يوقف له على سند صحيح ، وأن العموم في الآية يشمل أهل الأرض دون سكان الجنة ، فإن سكان الجنة لا يموتون بالاتفاق ، فلعل الملائكة يلحقون بسكان الجنة من الحور العين وغيرهم .
2- وفي السنة حديث طويل يعرف بحديث ( الصور ) يرويه أبو هريرة رضي الله عنه ، وقد أخرجه جماعة من المحدثين بألفاظ فيها تفاوت زيادة ونقصانا ، إلا أنها متفقة على ذكر موت الملائكة العظام : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، فقد جاء فيه :
( ثم يجيء ملك الموت إلى الجبار ، فيقول : يا رب ، قد مات حملة العرش ، فيقول الله وهو أعلم : من بقي ؟ ، فيقول : بقيت أنت يا رب ، الحي الذي لا تموت ، وبقي جبريل وميكائيل ، وبقيت أنا ، فيقول الله : فليمت جبريل وميكائيل ، فيموتان ، وينطق الله العرش فيقول : يا رب ، تميت جبريل وميكائيل ؟ فيقول الله له : اسكت ، فإني كتبت الموت على من تحت عرشي ، ثم يجيء ملك الموت إلى الجبار فيقول : يا رب ، مات جبريل وميكائيل ، فيقول الله وهو أعلم : فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقيت أنا ، فيقول الله : أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما قد ترى ، مت ... ثم قال : أنا الجبار ، ثم ينادي : لمن الملك اليوم ؟ ثم يرد على نفسه : لله الواحد القهار ، يقول ذلك ثم ينادي : ألا من كان لي شريكا فليأت ، فلا يأتيه أحد ، قال ذلك ثلاثا )
هذا الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في "الأهوال" (54) وهذا لفظه ، وإسحاق بن راهويه – كما في "المطالب العالية" (7/555) – وابن أبي حاتم في "تفسيره" (9/2928-2931) وأبو يعلى – كما عزاه إليه "إتحاف المهرة" (8/56) – والطبري في "تفسيره" (21/331) والطبراني في "الأحاديث الطوال" (36) ، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (2/222) والبيهقي في "البعث والنشور" (رقم 593) وأبو الشيخ في "العظمة" (3/821-839) وعزاه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/368) لعبد بن حميد وعلي بن معبد في كتاب "الطاعة والمعصية"
كما عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/256) لأبي الحسن القطان في "المطولات" وابن المنذر وأبي موسى المديني في "المطولات" .
جميعهم من طرق تلتقي في إسماعيل بن رافع المدني أبو رافع الأنصاري عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة به .
وهذا الحديث منكر معلول ، علته محمد بن يزيد بن أبي زياد ، فقد جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (9/524) : " قال البخارى : روى حديث الصور ولم يصح .
وقال الخلال : سئل أحمد عن حديثه ، فقال : رجاله لا يعرفون . وقال ابن حبان : لست أعتمد على إسناد خبره . وقال الأزدى : ليس بالقائم ، فى إسناده نظر . وقال الدارقطنى : إسناده لا يثبت ، ومحمد و أيوب والراوى عنه مجهولون " انتهى .
وكذلك الراوي عنه إسماعيل بن رافع اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه ، حتى قال النسائي : متروك الحديث . وقال أبو حاتم : منكر الحديث . انظر "تهذيب التهذيب" (1/295)
يقول ابن حجر في "فتح الباري" (11/368) :
" مداره على إسماعيل بن رافع : واضطرب في سنده مع ضعفه ، فرواه عن محمد بن كعب القرظي تارة بلا واسطة ، وتارة بواسطة رجل مبهم ، ومحمد عن أبي هريرة تارة بلا واسطة ، وتارة بواسطة رجل من الأنصار مبهم أيضا .
وأخرجه إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء أيضا في تفسيره عن محمد بن عجلان عن محمد بن كعب القرظي .
واعترض مغلطاي على عبد الحق في تضعيفه الحديث بإسماعيل بن رافع وخفي عليه أن الشامي أضعف منه ، ولعله سرقه منه فألصقه بابن عجلان . وقد قال الدار قطني : إنه متروك يضع الحديث . وقال الخليلي : شيخ ضعيف شحن تفسيره بما لا يتابع عليه .
وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير في حديث الصور : جمعه إسماعيل ابن رافع من عدة آثار وأصله عنده عن أبي هريرة فساقه كله مساقا واحدا .
وقد صحح الحديث من طريق إسماعيل بن رافع القاضي أبو بكر بن العربي في "سراجه" وتبعه القرطبي في "التذكرة" وقول عبد الحق في تضعيفه أولى ، وضعفه قبله البيهقي " انتهى .
قلت : وضعفه إضافة زيادة على من سبق ذكرهم - أحمد والبخاري وابن حبان وأبو الفتح الأزدي والدارقطني - : ابن جرير الطبري فقال (18/558) : في إسناده نظر . وقال البيهقي في "شعب الإيمان" (1/309) : في إسناده مقال . وكذا ابن القيم في "حادي الأرواح" (87) ، وابن رجب في "التخويف من النار" (229) ، وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (2/252) : منكر . وقال أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/778) : ظاهر النكارة .
وحديث أبي هريرة له شاهدان اثنان :
الأول : عن أنس بن مالك بلفظ قريب مختصر ، يرويه الطبري في "تفسيره" (21/330) والبيهقي في "البعث" وابن مردويه كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/250)
ضعفه الحافظ في فتح الباري" (11/371) إذ فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف كما في "تهذيب التهذيب" (11/311) وابن أخيه الفضل بن عيسى اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه ونكارة حديثه . "تهذيب التهذيب" (8/284)
والثاني : عن ابن عباس ، يرويه البيهقي في "شعب الإيمان" (1/261) وقال : ضعيف بمرة . لأنه فيه مجاشع بن عمرو أحد الكذابين .
فيتبين بهذا أن الشاهدين ساقطان لا يصلحان لتقويه أصل الحديث بوجه من الوجوه . والله أعلم .
وقد سبق ذكر تضعيف الحديث في جواب السؤال رقم (49009)
أما اللفظ الذي ساقه السائل الكريم ، فلم يروه أحد من أهل العلم فيما نعلم ، ولم يذكره إلا ابن الجوزي في كتابه "بستان الواعظين" (فقرة 35 – 39 ) ، مطلقا هكذا من غير إسناد ولا توثيق ، وقد عرفت أن أصل الحديث المسند منكر لا يصح ، فكيف بلفظ لم يرد بإسناد أصلا.
3- ويستدلون من السنة أيضا بحديث لقيط بن عامر الطويل في قدوم وفد بني المنتفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ، ثُمَّ يُتَوَفَّى نَبِيُّكُم ، ثُمَّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ، ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحةُ ، فَلَعَمْرُ إلهِكَ ما تَدَعُ عَلى ظَهّرِها شَيْئاً إلا مَاتَ ، والمَلائِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ ..الخ )
أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (4/13-14) ، وابن أبي عاصم في السنة (951) والطبراني في "الكبير" (19/477) وابن خزيمة في "التوحيد" (122-125) والحاكم في "المستدرك" (4/560) ، وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (3/249) وأبو داود (3266) مختصرا ليس فيه محل الشاهد .
جميعهم من طريق عبد الرحمن بن عياش السمعي عن دلهم بن الأسود ، عن أبيه .
وهؤلاء ثلاثتهم مجاهيل لم يوثقهم أحد من أهل العلم إلا ذكر ابن حبان لهم في الثقات ، وذلك غير كاف في التوثيق ، خاصة وأن في الحديث من الألفاظ المنكرة ما يقتضي رده وتضعيفه .
يقول الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (5/82) : غريب جدا ، وألفاظه في بعضها نكارة . وقال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (5/57) : وهو حديث غريب جدا . وضعفه محققو مسند أحمد (26/121)
يقول ابن القيم في "زاد المعاد" (3/679) :
" وقوله: ( والملائكة الذين عند ربك ) : لا أعلم موت الملائكة جاء فى حديث صريح إلا هذا ، وحديث الصُّور " انتهى .
والخلاصة أنه لا يصح دليل لقول جماهير أهل العلم في موت الملائكة إلا عموم الآية ، وما سوى ذلك من أحاديث فهي منكرة ضعيفة لا يصلح الاستشهاد بها .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (4/259) :
" الذي عليه أكثر الناس أن جميع الخلق يموتون , حتى الملائكة , وحتى عزرائيل ملك الموت , وروي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون واليهود والنصارى متفقون على إمكان ذلك وقدرة الله عليه " انتهى .
وانظر السيوطي في "الحبائك في أخبار الملائك" (91)
القول الثاني :
أن الملائكة لا تموت ، وقد ذهب إلى هذا ابن حزم ، وبعض المفسرين .
ويمكن أن يستدل لهذا القول بما يأتي :
1- يقول الله عز وجل : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ) الزمر/68
وقد فسر كثير من السلف هذا الاستثناء بالملائكة ، وهو اختيار ابن جرير الطبري في "تفسيره" (21/330) وأسند إلى قتادة قوله : قد استثنى الله ، والله أعلم إلى ما صارت ثنيته .
إلا أنه يمكن الجواب عن هذا الدليل بأن استثناء الملائكة من الصعقة لا يلزم منه استثناءهم من الموت ، فهم يموتون بعد الصعقة التي يموت منها ما على الأرض .
يقول الحسن البصري : يستثني الله ، وما يدع أحدا من أهل السموات ولا أهل الأرض إلا أذاقه الموت .
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (7/116) :
" هذه النفخة هي الثانية ، وهي نفخة الصعق ، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السموات والأرض إلا من شاء الله ، كما هو مصرح به مفسرا في حديث الصور المشهور . ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت ، وينفرد الحي القيوم الذي كان أولا وهو الباقي آخرا بالديمومة والبقاء " انتهى .
2- قوله تعالى : ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) الأعراف/20
يقول الإمام الواحدي في "الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (389) :
" ( إلا أن تكونا ) لا هاهنا مضمرة أي : إلا أن لا تكونا ( ملكين ) يبقيان ولا يموتان كما لا تموت الملائكة ، يدل على هذا المعنى قوله : ( أو تكونا من الخالدين ) " انتهى .
وجاء نحوه في "بحر العلوم" للسمرقندي (2/102)
وقد يجاب عن هذا الاستدلال بأن يقال :
- بل ( أو ) في الآية دليل على المغايرة ، يعني أن الملائكية غير الخلود ، وهذا ما جاء عن السلف في تفسير الآية :
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ هذه الآية : فإن أخطأكما أن تكونا ملكين لم يخطئكما أن تكونا خالدين فلا تموتان فيها أبدا . "الدر المنثور" (3/431)
- وعلى تسليم الخلود ، فلا يلزم منه عدم الموت ، فإن الشيطان أطمعَ آدمَ إذا أكلَ من الشجرة كي يطول عمره ويبقى فيما هو فيه من النعيم أزمانا طويلة ، كما هو حال الملائكة التي إن ماتت فإن موتها يكون لفترة يسيرة يوم القيامة فقط ، ثم لا تلبث أن تحيا مرة أخرى .
يقول القرطبي في تفسيره (7/178) :
" وقيل : طمع آدم في الخلود ؛ لأنه علم أن الملائكة لا يموتون إلى يوم القيامة " انتهى .
وانظر "زاد المسير" (3/179)
3- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : ( أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ )
رواه البخاري (7383) ومسلم (2717)
قالوا : مفهوم الحديث ، أن غير الجن والإنس لا يموتون .
وأجاب عن ذلك الجمهور ، فقال ابن حجر في "فتح الباري" (13/370) :
" قوله : ( والجن والإنس يموتون ) استدل به على أن الملائكة لا تموت ، ولا حجة فيه ؛ لأنه مفهوم لقب ولا اعتبار له ، وعلى تقديره فيعارضه ما هو أقوى منه ، وهو عموم قوله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) مع أنه لا مانع من دخولهم في مسمى الجن ؛ لجامع ما بينهم من الاستتار عن عيون الإنس " انتهى .
4- يقول ابن حزم في "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (4/21) :
" ولا نص ولا إجماع على أن الملائكة تموت ، ولو جاء بذلك نص لقلنا به ، بل البرهان موجب أن لا يموتوا ؛ لأن الجنة دار لا موت فيها ، والملائكة سكان الجنان ، فيها خلقوا وفيها يخلدون أبدا ، وكذلك الحور العين ، وأيضا فإن الموت إنما هو فراق النفس للجسد المركب ، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الملائكة خلقوا من نور ، فليس فيهم شيء يفارق شيئا فيسمى موتا " انتهى .
والحاصل أن الخلاف في هذه المسألة خلاف معتبر ، وقد اجتهد الأئمة في البحث عما يرجح أحد القولين ، إلا أنهم وجدوا أن المسألة لا ينبني عليها كبير شأن ولا عظيم أمر ، بل هي من عالم الغيب الذي لا يضرنا الجهل به ، ولو كان أمرا مهما في الدين لجاءت به النصوص الصريحة الصحيحة ، فالأمر يرجع إلى الاجتهاد والنظر ، ولعل السكوت عنه أولى وأفضل .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/185-186) :
" س1 : أفتونا عن الملائكة الموكلين بالإنسان لإحصاء أعماله في مدة الحياة ، وهم رقيب وعتيد ، عندما يموت الإنسان هل يموت الملكان الموكلان به ، أو أين يكون مصيرهما بعد وفاة الإنسان ؟
فكان الجواب :
أحوال الملائكة وشؤونهم من الغيبيات، ولا تعرف إلا من قبل السمع ، ولم يرد نص في موت كتبة الحسنات والسيئات عند موت من تولوا كتابة حسناته وسيئاته ، ولا نص ببقاء حياتهم ولا عن مصيرهم ، وذلك إلى الله ، وليس ما سئل عنه مما كلفنا اعتقاده ، ولا يتعلق به عمل ، فالسؤال عن ذلك دخول فيما لا يعني ؛ لذا ننصح السائل أن لا يدخل فيما لا يعنيه ، ويبذل جهده في السؤال عما يعود عليه وعلى المسلمين بالنفع في دينهم ودنياهم " انتهى .
وقد سبقت الإجابة عن مثل هذا السؤال بشكل مختصر في موقعنا في رقم : (26071) ، (96306)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب