نص الجواب
الحمد لله
"ليلة القدر ليلة عظيمة ، نوه الله بشأنها في كتابه الكريم ، في قوله تعالى :
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا
يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) الدخان/3 ، 4 وفي قوله
تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا
لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ
الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ
هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)القدر/1-5 . فهي ليلة شرفها
الله عز وجل على غيرها ، وأخبر أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ، وهذا فضل
عظيم ، واختصها بإنزال القرآن فيها ، ووصفها بأنها ليلة مباركة ، وأنها يُقدَّر
فيها ما يجري في العام من الحوادث ، وهذه مزايا عظيمة لهذه الليلة ، وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها طلباً لليلة
القدْر ، وهي أفضل الليالي ، لأنه لم يرد في ليلة من الليالي ما ورد في فضلها ،
والتنويه بشأنها ، فهي أفضل الليالي لما تشتمل عليه من هذه المزايا العظيمة ، وهذا
من رحمة الله تعالى لهذه الأمة وإحسانه إليها ، حيث خصها بهذه الليلة العظيمة .
وأما المفاضلة بينها وبين ليلة الإسراء فقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل ؟ فأجاب بأن
ليلة الإسراء أفضل في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وليلة القدْر أفضل بالنسبة
إلى الأمَّة ، فحظ النبي صلى الله عليه وسلم من ليلة المعراج أكمل من حظِّه من ليلة
القدر ، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج ، وإن كان لهم فيها
أعظم حظ ، لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري به صلى الله
عليه وسلم . هذا ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة .
وللإمام العلامة ابن القيم كلام في هذا الموضوع ، يوافق كلام شيخه ، بأن ليلة
الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وليلة القدر أفضل في حق الأمة .
ومما يجب التنبيه عليه ، أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا في ليلة القدر من التعبد
والتقرب إليه ما لم يشرعه في ليلة الإسراء ، فليلة الإسراء لم يكن النبي صلى الله
عليه وسلم يتهجد فيها ، أو يخصها بقيامٍ أو ذكرٍ ، وإنما كان يخص ليلة القدر لفضلها
ومكانتها .
وأيضاً : ليلة الإسراء لم يثبت في أي شهر هي ، أو في أي ليلة من الشهر هي ، مما يدل
على أن العلم بها وتحديدها ليس لنا فيه مصلحة ، خلاف ليلة القدر ، فإن الله أخبر
أنها في رمضان ، لأن الله تعالى قال : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ) البقرة/185 ، ثم قال : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي
لَيْلَةِ الْقَدْرِ) القدر/1 ، فدل على أن ليلة القدر في شهر
رمضان ، وإن كانت لا تتعين في ليلة معينة من رمضان إلا أنه يترجح أنها في العشر
الأواخر منه ، وفي ليلة سبع وعشرين آكد الليالي عند الإمام أحمد وجماعة من الأئمة ،
وللعلماء في تحريها اجتهادات ومذاهب ، ولكن هي في شهر رمضان قطعاً ، ولا شك أن من
شهد ليلة القدر له من الأجر بحسب نيته واجتهاده وتوفيق الله له .
فليلة القدر لها ميزة ، لأنه شُرع لنا فيها الاجتهاد في العبادة ، والدعاء ، والذكر
، وتحريها بخلاف ليلة الإسراء ، فهذه لم يُطلب منا أن نتحراها ، ولا أن نخصها بشيء
من العبادات ، وبهذا يظهر أن هؤلاء الذين يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج أنهم
مبتدعة ، جاؤا بما لم يشرعه الله ، ولم يشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن
النبي صلى الله عليه وسلم يحتفل كل سنة بمرور ليلة من الليالي يقول : إن هذه هي
ليلة الإسراء والمعراج ، كما يفعله هؤلاء المخرفون المبتدعة الذين اتخذوا دينهم
طقوساً ومناسبات بدعية ، وتركوا السنن وتركوا الشرائع الثابتة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فهذا مما يجب الانتباه له ، وبيانه للناس ، وأن الله شرع لنا
الاجتهاد في ليلة القدر ، وتحريها ، والتقرب إليه فيها كل سنة ؛ بخلاف ليلة الإسراء
والمعراج ، فلم يشرع لنا أن نتحراها ، ولا أن نخصها بشيء ، وأيضاً : هي لم تُبين
لنا في أي شهر أو في أي ليلة ، بخلاف ليلة القدر ، فإنها في رمضان بلا شك ، والله
تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد " انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/430) .
المصدر: الإسلام سؤال وجواب
تعليق