الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

إثم الاعتداء على ملك الغير وحكم الصلاة في الأرض المغصوبة

105529

تاريخ النشر : 09-12-2007

المشاهدات : 74255

السؤال

قضية تؤرقني كثيرا ومنذ أمد بعيد ، والدي وأخوه لهما أرضان متجاورتان ، سكن والدي ولم يسكن عمي ، بقيت أرض عمي بياضا لم تسكن ، بدأ الوالد يزحف شيئا فشيئا على أجزاء من أرض أخيه ، توفي العم وبقي الوالد ولله الحمد بصحة وعافية ، ولكن ما زال يتوسع في الأخذ من أرض العم ، أبناء العم الذين هم الورثة سكتوا ولم يُبْدوا أي شيء . يغضب الوالد غضبا شديدا عندما أكلمه بهذا الموضوع لأني أحاول به أن يتخلص منها بشراء أو برجوع عنها ، ولا يرضى بهذا البتة ، مازلت أسكن مع الوالد بهذه الأرض سؤالي هو : هل يأثم الوالد بفعله هذا وهل يعتبر متعديا على حقوق الغير ؟ هل لمثل هذه الأرض أثر على قبول العبادة التي تؤدى عليها كالصلاة ونحوها ؟ هل آثم لو جاريت الوالد بالسكنى فيها على ما فيها من شبهةٍ ؟ وما هو التصرف الصحيح في مثل هذه الحالة ؟ علما بأن بداية هذه المشكلة قديمة ؟ وهل سكوت صاحب الحق يفهم منه أنه قد سامح بذلك ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
لا يجوز الاعتداء على حق الغير ، أرضا كانت أو غيرها ، لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29 . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) رواه أحمد ( 20172 ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" ( 1459 ) .
وقد جاء في شأن الأرض وعيد شديد لمن اقتطع منها شيئا بغير حق ، فقد روى البخاري (3198) ومسلم (1610) واللفظ له عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ).
وروى أحمد عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ كَلَّفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرَضِينَ ، ثُمَّ يُطَوَّقَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (240) .
وروى مسلم (1978) عن عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ) .
ومنار الأرض : علاماتها وحدودها .
فالواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يرد الحق إلى أهله ، وسكوت الورثة عن فعله لا يعني رضاهم به ، لكن لعلهم يراعون حق القرابة ، ولا يريدون إثارة المشاكل .
وينبغي أن تستمر في نصحه وتذكيره ، ولو استعنت ببعض أهل الخير والصلاح كان حسنا ، كأن تشير على خطيب الجامع أن يتكلم على الظلم وأكل المال بالباطل ويشير إلى الاعتداء على أرض الغير ، فإن هذا المنكر مما تساهل فيه بعض الناس .
ثانيا :
الأرض المغصوبة لا يحل البقاء فيها ، ويلزم الخروج منها ، والصلاة عليها محل خلاف بين أهل العلم ، فمنهم من يرى عدم صحتها كما هو مذهب الحنابلة ، ومنهم من يرى صحتها مع الإثم ، وهو مذهب الجمهور .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ولا أعلم دليلاً أثريّاً يدلُّ على عدم صحَّة الصَّلاة في الأرض المغصوبة، لكن القائلين بذلك علَّلوا بأن الإنسان منهيٌّ عن المقام في هذا المكان ؛ لأنه مُلْك غيره ، فإذا صَلَّى فصلاتُه منهيٌّ عنها ؛ والصَّلاة المنهيُّ عنها لا تصحُّ ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ) ولأنها مضادَّة للتعبُّد، فكيف يُتعبَّد لله بمعصيته ؟" انتهى من "الشرح الممتع" (2/248).
ثالثا :
لا يجوز أن تجاري والدك في السكنى على ما غصب من الأرض ، بل لا يجوز أن تطيعه لو أمرك بذلك ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . وأما الجزء المملوك لوالدك فلا حرج عليك ولا عليه في سكناه والانتفاع به .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب