الحمد لله.
أولا :
اختلف أهل العلم في وجوب الكفارة على من جامع الحائض أو النفساء ، على ثلاثة أقوال :
القول الأول : وجوب الكفارة : حكاه ابن المنذر عن ابن عباس وقتادة ، وحكاه بعض الشافعية قولا قديما للشافعي ، وبعضهم أنكره ، وهو رواية عن أحمد عليها جمهور الحنابلة كما قال المرداوي في "الإنصاف" (1/351) ، وحكى بعض الحنابلة عن أحمد في النفساء رواية واحدة بالوجوب ، بخلاف الحيض . انظر : النووي في "المجموع" (2/391) ، "الإنصاف" (1/349)
واستدلوا عليه بما جاء من طرقٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ - قَالَ : ( يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ ) .
الحديث أخرجه أبو داود ( 264 ) وغيره ، وهذا الحديث اختلف في إسناده ومتنه على أوجه كثيرة ، كما اختلف النقاد في تصحيحه وتضعيفه اختلافا كبيرا .
انظر "التلخيص الحبير" (1/292-293) ، وتعليق الشيخ أحمد شاكر على "سنن الترمذي" (1/246 - 254).
القول الثاني : الاستحباب وعدم الوجوب :
يقول النووي في "المجموع" (2/391) :
" حكاه أبو سليمان الخطابي عن أكثر العلماء , وحكاه ابن المنذر عن عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأيوب السختياني وأبي الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وسفيان الثوري والليث بن سعد " انتهى .
وهو قول الحنفية والشافعية :
جاء في "الدر المختار" (1/298) :
" ويندب تصدقه بدينار أو نصفه " انتهى . وانظر: "الفتاوى الهندية" (1/39)
ويقول النووي في "المجموع" (2/390) :
" إذا وطئها عالما بالحيض وتحريمه مختارا ففيه قولان , الصحيح الجديد : لا يلزمه كفارة , بل يعزر ويستغفر الله تعالى ويتوب , ويستحب أن يكفر الكفارة التي يوجبها القديم .
والثاني ـ وهو القديم ـ : يلزمه الكفارة... ، ثم ذكر الخلاف في حكاية الوجوب قولا قديما للشافعي - " انتهى .
القول الثالث : الواجب التوبة والاستغفار ولا كفارة في ذلك : وهو قول المالكية ، كما في "الموسوعة الفقهية" (18/325) ، وقول ابن حزم في "المحلى" (2/187) .
ولا شك أن القول بالصدقة المذكورة في الحديث هو أحوط وأبرأ للذمة ، وأدعى إلى الانتهاء عن تلك المعصية ، وتعظيم حرمات الله عز وجل ، وعدم تعدي حدوده ، لا سيما وقد قال به ابن عباس رضي الله عنهما ، إن لم يصح الحديث مرفوعا .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم ، رحمه الله :
" وطء الرجل امرأَته وهي حائض حرام بنص الكتاب والسنة ؛ قال الله تعالى: ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) [ الآية ، البقرة /222] ، والمراد المنع من وطئها في المحيض ، وهو موضع الحيض ، وهو الفرج ؛ فإذا تجرأ ووطئها ، فعليه التوبة ، وأَن لا يعود لمثلها، وعليه الكفارة ، وهي دينار أَو نصف دينار ، على التخيير ؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا ... ، والمراد بالدينار : مثقال من الذهب ، فإن لم يجده فيكفي قيمته من الفضة . " انتهى . فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (2/98) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وجوبُ الكفَّارة من مفردات المذهب [ يعني : مذهب الحنابلة ] ، والأئمة الثَّلاثة يرون أنَّه آثم بلا كفارة .
والحديثُ صحيحٌ، لأنَّ رجالَه كلَّهم ثقاتٌ، وإذا صحَّ فلا يضرُّ انفرادُ أحمد بالقول به.
فالصحيح: أنها واجبةٌ ، وعلى الأقل نقولُ بالوجوب احتياطاً ." انتهى .
الشرح الممتع (1/255) ط مصر .
وكذلك أفتى بوجوب الكفارة : علماء اللجنة الدائمة ، كما في فتاوى اللجنة (6/93،112) .
تنبيه : قيمة الدينار ، بالوزن : (4.25) غراما تقريبا ، فالواجب عليه أن يتصدق بهذه القيمة ، أو نصفها .
والله أعلم .
تعليق