الحمد لله.
من نذر نذر طاعة وجب عليه الوفاء به ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ ) رواه البخاري (6202) .
فإن عجز عن الوفاء به رُفع عنه الإثم والحرج ، ولم يكن مقصرا في حق الله تعالى ، لقول الله تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) البقرة/286 .
قال الجصّاص : في هذه الآية نصّ على أنّ اللّه تعالى لا يكلّف أحداً ما لا يقدر عليه ولا يطيقه ، ولو كلّف أحداً ما لا يقدر عليه ولا يستطيعه لكان مكلّفاً له ما ليس في وسعه " انتهى.
لكن ارتفاع الإثم لا يعني ارتفاع المطالبة ببدل للنذر ، فالعجز عن الوفاء به عذرٌ ينقل الناذر إلى البدل ، وهو هنا الكفارة ، فإن قاعدة الأيمان والنذور في هذا الشأن واحدة ، وهي وجوب الكفارة عند الحنث ، ولو كان بعذر .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
(النذور أربعة : من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذرا فيما لا يطيق فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذرا فيما يطيق فليوف بنذره) . رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/472) ورواته ثقات، وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الأصح أنه من كلام ابن عباس رضي الله عنهما. كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/587) .
وقال ابن قدامة في "المغني" (10/72) :
"من نذر طاعة لا يطيقها ، أو كان قادرا عليها ، فعجز عنها ، فعليه كفارة يمين " انتهى .
فالذي نذر أن يتصدق بمبلغ معين كل شهر ، وجب عليه الوفاء بذلك .
فإن عجز في بعض الأشهر فلا إثم عليه ، وعليه كفارة يمين ، ثم إن أغناه الله بعد ذلك فعليه التصدق بما أوجبه على نفسه ، لأن هذا الحق يتجدد كل شهر ، كما ألزم نفسه بذلك .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : لقد نذرت إن توظفت أن أدفع مبلغ (600) ريال كفالة يتيم عن والدي ووالدتي ، وذلك في كل شهر ، وبعد ذلك كفلت يتيما واحدا لمدة سنة ونصف بواقع (2400) سنويا ، ثم انقطعت لظروف مالية ، والآن وبعد انقطاعي وعزمي مرة أخرى على كفالة يتيم حسب المبلغ المتراكم فوجدته (25000) ريالا .
فسؤالي لسماحتكم : ماذا علي أن أفعل ؟
فأجابوا :
"يجب عليك الوفاء بنذرك ؛ لأنه نذر طاعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) ، وعليك قضاء المبلغ عن الأشهر التي لم تخرجي عنها شيئا ؛ لأنها واجبة عليك بالنذر ، تقبل الله منك ، وأخلف عليك ما هو أكثر وأنفع ، وقد قال الله سبحانه :
( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) .
ونوصيك مستقبلا بعدم النذر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تنذروا ؛ فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا ، وإنما يستخرج به من البخيل ) متفق على صحته" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/342) .
وخلاصة الجواب :
يجب عليه الاستمرار في الوفاء بالنذر ، ولا يجوز له التهاون في ذلك .
أما الأشهر الماضية التي لم يرسل لهم فيها هذا المبلغ ، فإن كان ترك ذلك عجزاً لكونه ليس معه مال فلا شيء عليه إلا كفارة يمين ، وإن كان ترك ذلك تهاوناً فعليه قضاء ما فات ، فيحسب المبلغ الذي لم يدفعه ثم يرسله إليهم .
وانظر جواب السؤال رقم (42178) ، (104059) .
والله أعلم .
تعليق