الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

غسل الجنابة غسل تعبدي في المقام الأول

السؤال

لماذا يسن لمن يغتسل أن يدلك فروة رأسه ، هل الجنابة لها إفرازات في فروة الرأس ؟

الجواب

الحمد لله.


ينبغي للمؤمن أن يسارع إلى امتثال أمر الله تعالى ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يتوقف امتثاله للأمر على معرفة الحكمة منه ، فكثير من الأحكام الشرعية ، لا نعرف لها حكمة ، إلا أننا نجزم أن لها حكمة عظيمة أرادها الله تعالى منها ، وهذه الأحكام يسميها العلماء : "غير معقولة المعنى أو "تعبدية" كأعداد ركعات الصلوات .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الاغتسال من الجنابة من هذا النوع الذي لا تعقل معناه .
قال السيوطي في "الأشباه والنظائر" (638) :
" القول في الأحكام التعبدية : ..... منها : أسباب الحدث والجنابة تعبدية ، لا يعقل معناه ، فلا يقبل القياس ، قال بعضهم : ولولا أنها تعبدية لم يوجب المني الذي هو طاهر عند أكثر العلماء غسل كل البدن ، ويوجب البول والغائط اللذان هما نجسان بإجماع غسل بعضه " انتهى .
وعليه ؛ فلا يقال إن غسل الرأس من الجنابة هو بسبب إفرازات في فروة الرأس ، بل يقال : غسل الرأس من الجنابة هو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا الله تعالى باتباعه، والاقتداء به ، قال الله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب/21 . وقال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران/31 .
والنوع الثاني من الأحكام : "أحكام معقولة المعنى" وهي التي نعرف الحكمة منها ، كتحريم الخمر حفاظاً على العقل والجسم والمال ، وتحريم الميتة ولحم الخنزير لأنها مضرة .... وهكذا .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغسل من الجنابة معقول المعنى ، فقالوا : إن خروج المني يؤثر في الجسم بشيء من الضعف والكسل والفتور ، والاغتسال يعوض ذلك فيبعث في الجسم النشاط .
قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (2/77-78) :
" الاغتسال من خروج المنى من أنفع شيء للبدن والقلب والروح ، بل جميع الأرواح القائمة بالبدن ، فإنها تقوى بالاغتسال ، والغسل يخلف عليه ما تحلل منه بخروج المني ، وهذا أمر يعرف بالحس ، وأيضا فإن الجنابة توجب ثقلا وكسلا ، والغسل يحدث له نشاطا وخفة ، ولهذا قال أبو ذر لما اغتسل من الجنابة : كأنما ألقيت عني حملا .
وبالجملة : فهذا أمر يدركه كل ذي حس سليم ، وفطرة صحيحة ، ويعلم أن الاغتسال من الجنابة يجري مجرى المصالح التي تلحق بالضروريات للبدن والقلب ، مع ما تحدثه الجنابة من بُعْد القلب والروح عن الأرواح الطيبة ، فإذا اغتسل زال ذلك البعد ، وقد صرح أفاضل الأطباء بأن الاغتسال بعد الجماع يعيد إلى البدن قوته ، ويخلف عليه ما تحلل منه ، وإنه من أنفع شيء للبدن والروح ، وتركه مضر ، ويكفي شهادة العقل والفطرة بحسنه ، وبالله التوفيق" انتهى .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب