الحمد لله.
أولا :
لا يجوز العمل في إنشاء البنوك الربوية ، ولا الإعانة على ذلك بوجه من الوجوه ؛ تنفيذا أو إشرافا أو تخطيطا أو غير ذلك ، لما تقرر في الشريعة من تحريم الربا ولعن فاعله وشاهده وكاتبه ، والبنك الربوي مؤسسة تقوم على هذا الربا وترعاه وتنشره وتدعو الناس إليه ، فإنشاء هذا البنك أعظم ولاشك من الوقوع في معاملة ربوية معيّنة ، والقائمون على ذلك معرضون للعقاب الشديد ، والحرب من الله ورسوله ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279 .
وروى مسلم (1598) عن جابر قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، ومؤكله ، وكاتبه ، وشاهديه . وقال : هم سواء .
وقد أفتى كبار أهل العلم بتحريم العمل في البنوك الربوية ، ولو كان العمل فيما لا يتصل بالربا كالحراسة ، والنظافة ، والخدمة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/41) : "لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا ، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي ؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية ، وقد قال تعالى : (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/2" انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس ؟
فأجاب : "لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقا أو حارسا ، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها ، لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته ، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضيا به ، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه. أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لاشك أنه مباشر للحرام . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا ، وموكله ، وشاهديه ، وكاتبه . وقال : هم سواء" انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/401) .
وبهذا تعلم أن عملك المذكور لا يجوز ، وأنه يجب عليك الخروج منه ، والتوبة إلى تعالى ، والحذر من مقته وغضبه ، وأن من أفتاك بأن عملك محرم قد أصاب .
ثانيا :
كون المشروع في مراحله الأخيرة ، وكون خروجك سيسبب إحراجا للشركة ، وربما أدى إلى فصلك من العمل ، كل ذلك لا يبيح لك الاستمرار فيه ، بل الواجب تركه ، لان إنشاء البنك الربوي من أعظم المنكرات ، كما عُلم مما سبق ، وأبواب الرزق الحلال كثيرة ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، فينبغي أن يعظُم توكلك على الله ورجاؤك فيما عنده وثقتك فيما أعده لعباده الصالحين المتقين ، فإنه أخبر سبحانه أنه يحبهم ، وأنه معهم ، وأنه يرزقهم ، وأنه يحسن إليهم ، ويفرّج عنهم ، وهو مالك الملك جل وعلا ، لا تنزل قطرة من السماء إلا بأمره ، ولا يأتيك درهم حتى يأذن فيه سبحانه ، فَلِمَ تخاف ؟ ومِمَّ تخاف ؟!
قال الله سبحانه : (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) الذاريات/22، 23 ، وقال سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) الذاريات/58 ، وقال تعالى : (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/96 ، وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2، 3 .
وقال صلى الله عليه وسلم : (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2085
فبادر بالتوبة والرجوع إلى الله ، وأعلن براءتك من الربا والقائمين عليه ، ثم إن وجدت عملا مباحا في شركتك فانتقل إليه ، وإلا فابحث عن غيره ، ولن تضيع ، فإن الله سبحانه لا يضيع أجر المحسنين .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .
تعليق