الحمد لله.
صلاة الاستخارة وَجهٌ من أوجه تحقيق العبودية لله تعالى ، تُعَلِّقُ قلب المسلم بالله عز وجل ، وتخلصه من تَعَلقِه بالمخلوق .
وتحقيق ذلك في جميع تقلبات القلب والنفس هو غاية العبودية ، وكمال التوكل ، وذلك حين يستشعر العبد حاجته وفقره إليه سبحانه ، فيجد لذته وطمأنينته في الركون إلى الخالق القادر المدبر ، فلا يكاد يطرأ عليه حادث صغير أو كبير إلا ويلجأ إلى صلاة الاستخارة ليطلب الخيرة من الله عز وجل .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما قَالَ : ( كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِى الأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ ) رواه البخاري (6382)
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/184) :
" يتناول العمومُ العظيمَ من الأمور ، والحقيرَ ، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم " انتهى .
ويقول العيني في "عمدة القاري" (7/223) :
" قوله : ( في الأمور كلها ) : دليل على العموم ، وأن المرء لا يحتقر أمراً لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه ، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم أو في تركه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله ) " انتهى .
وبهذا يتبين أنَّ مِن الخطأ قصر الاستخارة على أحوال نادرة أو قليلة ، بل الشأن في المسلم اللجوء إلى الله عز وجل واستخارته في جميع الأمور التي يتردد فيها ، حتى إن زينب بنت جحش رضي الله عنها صلت الاستخارة حين عرض عليها الزواج بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وعلق على ذلك النووي بقوله في "شرح مسلم" (9/224) :
" فيه استحباب صلاة الاستخارة لمن هَمَّ بأمر ، سواء كان ذلك الأمر ظاهر الخير أم لا ، وهو موافق لحديث جابر في صحيح البخارى قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ) ، ولعلها استخارت لخوفها من تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم " انتهى .
جاء في "لقاءات الباب المفتوح" للشيخ ابن عثيمين (لقاء رقم/85، السؤال الأول) :
" السؤال :
فضيلة الشيخ ! هل ركعتا الاستخارة مشروعة فقط في الأمر الذي لم تتبين فيه المصلحة ، أم أنها تفعل في كل أمر يقدم عليه ولو كان ظاهره الخير ، كإمامة مسجد ، أو خطبة امرأة صالحة ، وما شابه ذلك . أرجو التوضيح ؟
فكان الجواب :
صلاة الاستخارة أن الإنسان إذا هم بأمر وتردد في عاقبته فإنه يستخير الله أي : يسأل الله خير الأمرين : الإقدام أو الترك ، ولكنه لا يستخير في كل شيء ، يعني : ليس للإنسان إذا أراد أن يتغدى أن يقول : أستخير الله . إذا أراد أن يذهب يصلي مع الجماعة أن يقول : أستخير الله ، إنما يستخير الله في أمر لا يدري ما عاقبته ، ومن ذلك : إمامة المسجد ، لو عرض عليه إمامة المسجد ولم يترجح عنده الإقدام أو الترك فليستخر الله ، فالإمامة من حيث هي خير في ذاتها ، لكن العاقبة ؛ لأن الإنسان لا يدري في المستقبل هل يقوم بواجب الإمامة أو لا يقوم ، وهل يستقر في هذا المسجد أو لا يستقر ، وهل يكون ملائماً للجماعة أو غير ملائم ، هو لا يستخير على أن الإمامة من حيث هي خير ، لكن العاقبة ، كم من إنسان كان إماماً في مسجد ثم لحقه من التعب وعدم القيام بالواجب والمشاكل مع الجماعة ما يتمنى أنه لم يكن إماماً ، كذلك المرأة الصالحة ، لكن لا أدري ما العاقبة .
والمهم أن كل شيء تتردد فيه فعليك بالله ، الجأ إليه ، اسأله خير الأمرين " انتهى باختصار .
وانظر جواب السؤال رقم (11981) ، ورقم (2217) .
والله أعلم .
تعليق