الحمد لله.
العمل في الشرطة كالعمل في الوظائف الأخرى ، منه ما هو مباح ، ومنه ما هو محرَّم
، وإنما يختلف ذلك تبعاً لطبيعة المهام التي يقوم بها المنتسب لذلك العمل.
فمن كانت مهام عمله ملاحقة المجرمين والفاسقين وكف أذاهم عن الناس وإرجاع الحقوق
إلى أهلها ، ومنع الظالمين من التعدي على غيرهم : فلا شك في إباحة عمله ، بل يؤجر
إن أخلص النية لله تعالى بإرادته إقامة العدل ، ومنع الظلم ، ومن كانت مهام عمله
سلب الناس أموالهم ، والتعدي عليهم بالضرب ، والتعرض لأعراضهم ، وسجنهم بغير حق :
فلا شك أن عمله – حينئذٍ – محرَّم ، وهو من المفلسين الذين يلقون الله تعالى في
الآخرة وللناس في ذممهم حقوق ، يعطيهم الله تعالى إياها حسنات يأخذها من أولئك
الظلمة ، أو سيئات تؤخذ من المظلومين فتلقى عليهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"إذا كان ولي الأمر يستخرج من العمال ما يريد أن يختص به هو وذووه : فلا ينبغي
إعانة واحد منهما ؛ إذ كل منهما ظالم ، كلص سرق من لص ، وكالطائفتين المقتتلتين على
عصبية ورئاسة ، ولا يحل للرجل أن يكون عوناً على ظلم ؛ فإن التعاون نوعان :
الأول : تعاون على البر والتقوى ، من الجهاد ، وإقامة الحدود ، واستيفاء الحقوق ،
وإعطاء المستحقين ، فهذا مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن أمسك عنه
خشية أن يكون من أعوان الظلمة : فقد ترك فرضاً على الأعيان ، أو على الكفاية ،
متوهماً أنه متورع ، وما أكثر ما يشتبه الجبن ، والفشل بالورع ، إذ كل منهما كف
وإمساك .
والثاني : تعاون على الإثم والعدوان ، كالإعانة على دم معصوم ، أو أخذ مال معصوم ،
أو ضرب من لا يستحق الضرب ، ونحو ذلك : فهذا الذي حرمه الله ورسوله" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 283 ) .
وينظر جواب السؤال رقم : ( 103412 ) .
ومثل هذا العمل يقال فيه :
إذا كان الداخل إلى هذا العمل قد دخل للدعوة إلى الخير ، وتقليل الشر ، ورفع الظلم
عن المظلومين ، وإسداء النفع إلى الناس بقدر الإمكان ، فلا حرج في هذا العمل .
أما إذا كان الداخل إليه قد دخل لاستغلال المنصب في ظلم الناس ، وجمع الأموال بغير
حق ، والاحتماء بهذه الوظيفة ، وإقرار القوانين الوضعية ، والدفاع عنها ، أو الدفاع
عن ظالم ، أو الاعتداء على بريء .... ونحو ذلك من أوجه الظلم التي قد يقع فيها من
يلتحق بهذا العمل ، فلا شك أنه عمل محرم ، ويخشى على صاحبه أن يأتي يوم القيامة
مفلساً ، لا حسنات له ، وقد تحمل جبالاً من السيئات .
نسأل الله العفو والعافية .
والله أعلم
تعليق