الحمد لله.
أولا :
اختلف الفقهاء في حكم الإجهاض قبل الأربعين ، فذهب جماعة من الحنفية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة إلى جوازه .
قال ابن الهمام رحمه الله في "فتح القدير" (3/401): " وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه ، ثم في غير موضعٍ قالوا : ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما , وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط ؛ لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة " انتهى .
وقال الرملي رحمه الله في "نهاية المحتاج" (8/443) : " الراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا ، وجوازه قبله ".
وفي حاشية قليوبي (4/160) : " نعم ، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه خلافا للغزالي " .
وقال المرداوي رحمه الله في "الإنصاف" (1/386) : " يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة . ذكره في الوجيز ، وقدمه في الفروع . وقال ابن الجوزي في أحكام النساء : يحرم . وقال في الفروع : وظاهر كلام ابن عقيل في الفنون : أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح وقال : وله وجه انتهى ".
وقال ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" : ورُوي عن رفاعة بن رافع قال : جلس إليَّ عمر وعليٌّ والزبير وسعد في نفر مِنْ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتذاكَروا العزلَ ، فقالوا : لا بأس به ، فقال رجلٌ : إنَّهم يزعمون أنَّها الموؤدةُ الصُّغرى ، فقال علي : لا تكون موؤدةً حتَّى تمرَّ على التَّارات السَّبع : تكون سُلالةً من طين ، ثمَّ تكونُ نطفةً ، ثم تكونُ علقةً ، ثم تكون مضغةً ، ثم تكونُ عظاماً ، ثم تكون لحماً ، ثم تكون خلقاً آخرَ ، فقال عمرُ : صدقتَ ، أطالَ الله بقاءك . رواه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف".
ثم قال ابن رجب : " وقد صرَّح أصحابنا بأنَّه إذا صار الولدُ علقةً ، لم يجز للمرأة إسقاطُه ؛ لأنَّه ولدٌ انعقدَ ، بخلاف النُّطفة ، فإنَّها لم تنعقد بعدُ ، وقد لا تنعقدُ ولداً " انتهى .
وذهب المالكية إلى عدم الجواز مطلقا وهو قول لبعض الحنفية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة ، قال الدردير في "الشرح الكبير" (2/266) : " لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا " انتهى .
ومن الفقهاء من قَيًّد الجواز بالعذر ، وينظر : "الموسوعة الفقهية الكويتية" (2/57).
وجاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء :
"1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً .
2- إذا كان الحمل في الطور الأول ، وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه . أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقّة في تربية الأولاد ، أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم ، أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز" انتهى نقلاً من الفتاوى الجامعة (3/1055).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/450) : "الأصل في حمل المرأة أنه لا يجوز إسقاطه في جميع مراحله إلا لمبرر شرعي ، فإن كان الحمل لا يزال نطفة وهو ما له أربعون يوماً فأقل ، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر يتوقع حصوله على الأم - جاز إسقاطه في هذه الحالة ، ولا يدخل في ذلك الخشية من المشقة في القيام بتربية الأولاد أو عدم القدرة على تكاليفهم أو تربيتهم أو الاكتفاء بعدد معين من الأولاد ونحو ذلك من المبررات الغير شرعية .
أما إن زاد الحمل عن أربعين يوماً حرم إسقاطه ، لأنه بعد الأربعين يوماً يكون علقة وهو بداية خلق الإنسان ، فلا يجوز إسقاطه بعد بلوغه هذه المرحلة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن في استمرار الحمل خطراً على حياة أمه ، وأنه يخشى عليها من الهلاك فيما لو استمر الحمل " انتهى .
والذي يظهر أنه لا حرج من إسقاط الحمل في الصورة المسؤول عنها إذا كان في ذلك ضرر يتوقع حصوله على الأم بتوالي الحمل ، أو ضرر حاصل على الرضيع .
والله أعلم .
تعليق