الحمد لله.
يجب على كل من ينشر نصيحة للمسلمين أن يتثبت ويدلل على نصيحته ، إلا إن كان لا يقصد النصيحة ، وإنما إثارة الإشاعات والخرافات بين الناس ، فمثل هذا يتحمل وزره ووزر من لبس عليه وغرر به .
يقول الله عز وجل : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36
وما ورد في السؤال مما يزعم أنها من أسماء الجن لم نقف على دليله ، فلا نستطيع تأكيده ولا كذلك نفيه ، إلا أن الذي يهمنا التنبيه عليه أمران اثنان :
الأول : المؤمن محفوظ بحفظ الله ، إذا حافظ على أوامره ، واجتنب نواهيه ، وحرص على التحصن بالأذكار الشرعية ، فالله سبحانه وتعالى يدرأ عن عباده من الأذى والضرر الشيء الكثير . يقول سبحانه وتعالى : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) الرعد/11
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" أي : للعبد ملائكة يتعاقبون عليه ، حَرَس بالليل ، وحَرَس بالنهار ، يحفظونه من الأسواء والحادثات ، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر ، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، فاثنان عن اليمين وعن الشمال يكتبان الأعمال ، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه ، واحدا من ورائه ، وآخر من قدامه ، فهو بين أربعة أملاك بالنهار ، وأربعة آخرين بالليل ، حافظان وكاتبان " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (4/437)
وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( احفظ الله يحفظك ) رواه الترمذي (رقم/2516)
فلا يجوز لأحد أن يصور الأمر وكأنه تسلط من الجن والشياطين على المسلمين من غير رادع ولا حافظ ، أو يصوره بأن كلمات يسيرة يمكن أن تقضي على إنسان أو توقع في كل هذا البلاء . فالأمر ليس بهذا التصور .
الثاني : ومع ذلك فنحن لا نستبعد أن يكون في الكلمات غير المفهومة التي تجري على ألسنة الناس ما يحتوي على شيء من أسماء الجن أو الشياطين .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" تتمثل الشياطين لمن يعبد الملائكة والأنبياء والصالحين ، ويخاطبونهم ، فيظنون أن الذي خاطبهم ملك ، أو نبي ، أو ولي ، وإنما هو شيطان ، جعل نفسه ملكا من الملائكة ، كما يصيب عباد الكواكب وأصحاب العزائم والطلسمات ، يسمون أسماء ، يقولون : هي أسماء الملائكة مثل : " منططرون " وغيره ، وإنما هي أسماء الجن " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (14/283)
ولذلك فقد اشترط العلماء للرقية الصحيحة الجائزة أن تكون باللغة العربية المفهومة ، كي لا يقع المسلم – إذا استعمل كلمات غير مفهومة - في نداء الجن والشياطين والاستعانة بهم وهو لا يشعر .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
" المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار ، والرقى المجهولة ، والتي بغير العربية ، وما لا يعرف معناها : فهذه مذمومة ، لاحتمال أن معناها كفر ، أو قريب منه ، أو مكروه " انتهى.
"شرح مسلم" (14/168)
ويقول العيني رحمه الله :
" ولا يجوز بألفاظ مما لا يعلم معناها من الألفاظ الغير العربية " انتهى.
"عمدة القاري" (12/100)
أما إذا كانت الكلمات عربية مفهومة واضحة ، فليس في الرقية بها بأس ، ولا نرى أنها مما يمكن أن تكون سبيلا للشيطان على الإنسان .
بل إذا قدر أن الناس يتكلم بما يفهمونه من لغتهم ، ووافق أن بعض ما يتكلمونه ويتفاهمون به وينادونه ، هو من أسماء الجن ، فليس معنى ذلك أن الجن واقف على بابهم ، يلتقط هذه الكلمة ، أو هذا النداء ، لينفذ هو إلى مأربه وحاجته .
والواقع أن المبالغة في هذه الأمور هو من غلبة الجهل ، وانتشار الخرافة والأوهام ، وضعف اليقين بالله عز وجل ، والتعلق به ، والتوكل عليه .
وعلى كل حال ، ليس الأمر بالصورة التي يحاول نشرها أصحاب هذه المقالات ، والمبالغة في الأمور من غير تثبت ولا تبين سبب كل مفسدة ، ومفتاح كل شر .
وانظر جواب السؤال رقم : (10513)
والله أعلم .
تعليق