الحمد لله.
أولاً :
إنْ كان منْ شيءٍ نبدأ به جوابنا : فهو أن نذكر المسلمين والمسلمات بتقوى الله وطاعته ، وأن يأخذوا العبرة والعظة من أحوال الناس ، وأن لا يعتقدوا في أنفسهم البُعد عن الوقوع في الفواحش والمنكرات ، وأن يبتعدوا عن الصحبة السيئة والمهيجات ، وأن لا يجني الواحد منهم على نفسه بلذة تزول وتبقى حسرتها وألمها حتى يلقى ربه ، وليس كل واحد ممن عصى ربَّه يوفَّق لتوبة صادقة ، ويأتي بحسنات ماحية .
ثانياً :
نثني على ربنا التواب الرحيم بما هو أهله ، هو أهل التقوى وأهل المغفرة ، ونحمده تعالى وشكره أن وفقكِ للتوبة ، وأن يسَّر لك أن ترجعي لصوابك ، فليس كل من فعل معصية وُفق للتخلص منها ، والتوبة بعد فعلها ، وها قد وفقك ربك لتلك التوبة فاحمديه ، واشكريه ، وأكثري من الثناء عليه عز وجل ، فلولا أن وفقك لها لما كنت تنعمين بها ، وما بقى في نفسك من حسرة وألم جراء تلك المعصية ، فلعلَّ الله يجعل منها جداراً مانعاً من إعادة الوقوع فيها ، ولعلَّ ذلك الألم أن ينزل دمعة تطهر ما أصاب النفس من خبث المعصية ، ولعلَّ ألمك بعدها أن يُحدث طاعة تدومين عليها ، إلى أن تلقي ربك ، قال الله تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود/114
ثالثاً :
ونثلِّث بالثناء على ذلك الزوج الشهم الأصيل ، والذي لم يفضح أمر زوجته النادمة التائبة ، وهذا إن دلَّ على شيء فيدل على عقل راجح ، وشهامة وطيب معدن ، ودين متين ، ونبشره بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا : نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) رواه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
رابعاً :
نقول للزوج الشهم الموفق : إن ما قاله ذلك الشيخ من الستر على زوجتك ، وإصلاح حالها : هو المتعين ، وأنه لا يجوز لأحدٍ أن يقيم الحدَّ على من فعل ما يستوجبه به ، بل الحدود لا يقيمها إلا الولاة الشرعيون ، ومن يقوم مقامهم ، وأنتم تعيشون في بلاد لا يقام فيها حد ، ولا يحكم فيها بشرع الله تعالى .
قال النووي – رحمه الله - : " قال العلماء : لا يستوفي الحدَّ إلا الإمام ، أو من فوَّض ذلك إليه " انتهى .
" شرح مسلم " (11 / 193 ) .
وليعلم الزوج والزوجة : أنه لو كان عيشهما في بلاد المسلمين ، وعندهم الحاكم الذي يقيم الحدود الشرعية على من يستحقها ، ما كنا سننصحه بالذهاب للقاضي أو الحاكم ليقيم على زوجته الحد ؛ وذلك لأن ستر العاصي على نفسه خير له من فضح نفسه ، ولو كان بعد ذلك يقام عليه الحد المطهِّر ، وإننا لننصح بما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم ، ونصح به الخليفة الراشد أبو بكر الصدِّيق ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
ففي صحيح مسلم ( 1695 ) جاء " ماعز " يقول للنبي صلى الله عليه وسلم " طهِّرني " ، قال له : ( ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " ويؤخذ من قضيته – أي : ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ ، كما أشار به أبو بكر وعمر على " ماعز " ، وأن مَن اطَّلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ولا يفضحه ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترتَه بثوبك لكان خيراً لك " ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال : أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب ، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر " انتهى .
" فتح الباري " ( 12 / 124 ، 125 ) .
خامساً :
نقول للأخت السائلة : إن باب التوبة مفتوح ، وإن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، واعلمي أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده ، ويبدلها لهم حسنات إن هم صدقوا فيها .
قال الله تعالى : ( وإني لغفار لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طـه/ 82 ، وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/ 68 – 70 ، وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ . وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) الشورى/25-26 .
وحتى تكون التوبة صحيحة : فلا بد من تحقيق شروطها ، وهذه الشروط هي :
1. الإقلاع عن الذنب .
2. الندم على فعله .
3. العزم على عدم العود إليه .
واعلمي ـ يا أمة الله ـ أن الله تعالى قد تفضَّل على عباده التائبين ، ووعدهم بتبديل سيئاتهم حسنات ، فاحذري أن يتسلط الشيطان على قلبك ليحول بينك وبين التوبة ، أو يوقعك في اليأس من رحمة الله تعالى ؛ واعلمي أن الخبيث لم يكتف بإيقاع العباد في المعصية ، حتى بدأ معهم جولة أخرى ليصدهم عن التوبة منها ، فاحذري أشد الحذر .
واعلمي أن فضل الله واسع ، فليس عليك إلا أن تصلحي بينك وبين ربك ، وهو تعالى يتولاك ، ويسددك ، ويوفقك ، واعلمي أن التوبة ليس فيها ذل ، إنما الذل في معصية الله ، بل ستعيشين مع التوبة سعيدة ، هنية ، بذكر الله تعالى ، وطاعته ، بتوفيق منه وإعانة .
وانظري – للأهمية - : جوابي السؤالين : ( 47834 ) و ( 27113 ) .
والله أعلم
تعليق