الحمد لله.
أولا :
روي هذا الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) رواه أبو داود (1518) وابن ماجه (3819) ، وأحمد في "المسند" (1/248) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (6/240)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/351) ، وغيرهم .
جميعهم من طريق الحكم بن مصعب ، ثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، أنه حدثه عن ابن عباس به .
وهذا السند ضعيف بسبب الحكم بن مصعب ، لم يوثقه أحد ، إنما قال فيه أبو حاتم : هو شيخ للوليد بن مسلم ، لا أعلم روى عنه أحد غيره ، وحكم عليه كل من الذهبي وابن حجر بالجهالة ، بل ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/187) ، وقال : يخطئ ، وذكره في "المجروحين" (1/249) ، وقال : ينفرد بالأشياء التي لا ينكر نفي صحتها من عني بهذا الشأن ، لا يحل الاحتجاج به ، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار .
لذلك ضعفه البغوي في "شرح السنة" (3/100) ، والذهبي في "المهذب" (3/1278) وفي تعقبه على الحاكم في المستدرك ، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/705) .
ثانيا
:
ورغم ضعف الحديث ، فإن معناه مقبول له ما يشهد له من الأدلة الصحيحة ، فقد قال الله
تعالى في فضل الاستغفار : (
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ
عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا )
نوح/10-12.
ويقول
سبحانه وتعالى : (
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً
حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير )
هود/3.
ولذلك
ذكر العلامة ابن القيم في كتابه "الوابل الصيب" في الفصل الثامن عشر : الاستغفار ،
ضمن الأذكار الجالبة للرزق ، الدافعة للضيق والأذى .
وهو على كل حال من تقوى الله عز وجل ، التي هي سبب كل خير يصيب المتقين .
يقول الله سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا .
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )
الطلاق/2-3
قال
الشيخ ابن باز رحمه الله : " الحديث المذكور رواه أبو داود وابن ماجه ، وهذا ضعيف ؛
لأن في إسناده الحكم بن مصعب وهو مجهول .
ولكن الأدلة الكثيرة من الآيات والأحاديث تدل على فضل الاستغفار والترغيب فيه ، مثل
قول الله سبحانه : ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ
فَضْلَهُ ) الآية من سورة هود ، وقوله سبحانه في آخر المزمل : ( وَاسْتَغْفِرُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) والله ولي التوفيق " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن
باز" (26/90) .
وقال
أيضا رحمه الله :
" على كل حال فالحديث المذكور يصلح ذكره في الترغيب والترهيب ؛ لكثرة شواهده الدالة
على فضل الاستغفار ، ولأن أكثر أئمة الحديث قد سهلوا في رواية الضعيف في باب
الترغيب والترهيب ، لكن يُروى بصيغة التمريض كـ " يُروى " ، و " يُذكر " ، ونحوهما
، لا بصيغة الجزم ، قال الحافظ العراقي في ألفيته ، رحمه الله :
وإن ترد نقلا لواه أو لما ... يشك فيه لا بإسنادهما
فأت بتمريض كيروى واجزم ... بنقل ما صح كقال فاعلم
وسهلوا في غير موضوع رووا ... من غير تبيين لضعف ورأوا
بيانه في الحكم والعقائد ... عن ابن مهدي وغير واحد " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز"
(26/259) .
وقال الشيخ
ابن
عثيمين رحمه الله :
" هذا الحديث ضعيف ، ولكن معناه صحيح ؛ لأن الله تعالى قال : ( وَأَنْ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ) ، وقال تعالى عن هود :
( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا
تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) ، ولا شك أن الاستغفار سبب لمحو الذنوب ، وإذا محيت
الذنوب تخلفت آثارها المرتبة عليها ، وحينئذٍ يحصل للإنسان الرزق والفرج من كل كرب
، ومن كل هم ، فالحديث ضعيف السند ، لكنه صحيح المعنى " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (شروح الحديث والحكم عليها) ( شريط 238 ، وجه أ )
والله
أعلم .
تعليق