الحمد لله.
أولا :
إذا حكمت المحكمة بالطلاق لأجل الضرر وأوقعت طلقة واحدة رجعية كما ذكرت ، فهذا طلاق وليس خلعا ، ولا يؤثر في الحكم كونك من طلب الطلاق .
ثانيا :
الأصل أن تعتد المطلقة في بيت زوجها ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) الطلاق/1
لكن إن كان اعتداد المطلقة في بيت زوجها يخشى منه حصول الضرر المحقق لها ، جاز أن تعتد في بيت أهلها .
قال القرطبي رحمه الله : " ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة ، ولا يجوز لها الخروج أيضا لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة ، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة. والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل. وهذا معنى إضافة البيوت إليهن ؛ كقوله تعالى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) ، وقوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك. وقوله : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ ) يقتضي أن يكون حقا في الأزواج. ويقتضي قوله : ( وَلا يَخْرُجْنَ ) أنه حق على الزوجات " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/224) : " في قوله تعالى: ( لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) الآية، إذا خرجت من دون إخراج عرضا أو صراحة ومن دون إذن من الزوج ما الحكم المتعلق فيه ، لا يتناول حكم الخلعة إلا أن الطلاق قد تم وبقيت العدة ؟
الجواب : تأثم المعتدة من طلاق رجعي إذا خرجت من بيت مطلقها من غير إخراج لها ، إلا إذا دعت إلى خروجها ضرورة ، أو حاجة تبيح لها ذلك " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " يجب على المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً أن تبقى في بيت زوجها ، ويحرم على زوجها أن يخرجها منه لقوله - تعالى : ( لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) . وما كان الناس عليه الآن من كون المرأة إذا طلقت طلاقاً رجعياً تنصرف إلى بيت أهلها فوراً ، هذا خطأ ومحرم . لأن الله قال : " لا تخرجوهن - ولا يخرجن " ولم يستثن من ذلك ، إلا إذا أتين بفاحشة مبينة ، ثم قال بعد ذلك " وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " . ثم بين الحكمة من وجوب بقائها في بيت زوجها بقوله " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً " . فالواجب على المسلمين مراعاة حدود الله والتمسك بما أمرهم الله به ، وأن لا يتخذوا من العادات سبيلاً لمخالفة الأمور المشروعة .
المهم أنه يجب علينا أن نراعي هذه المسألة وأن المطلقة الرجعية يجب أن تبقى في بيت زوجها حتى تنتهي عدتها وفي هذه الحال في بقائها في بيت زوجها لها أن تكشف له وأن تتزين وأن تتجمل وأن تتطيب وأن تكلمه ويكلمها وتجلس معه وتفعل كل شيء ما عدا الاستمتاع بالجماع أو المباشرة فإن هذا إنما يكون عند الرجعة وله أن يرجعها بالقول فيقول راجعت زوجتى وله أن يراجعها بالفعل فيجامعها بنية المراجعة " انتهى من "فتاوى إسلامية".
وقد ذكرنا أن هذا انتقال المرأة عن مسكن زوجها ، أثناء عدتها ، وإن كان ممنوعا من حيث الأصل ، فأنه يباح للضرورة ، أو لعذر يقتضي خروجها منه .
قال أبو الوليد الباجي ، رحمه الله :
" وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : إِذَا كَثُرَ مِثْلُ هَذَا مِنْ النُّشُوزِ بَيْنَهُمَا ، وَالْأَذَى وَلَمْ يَطْمَعْ فِي إصْلَاحِهِ انْتَقَلَتْ الْمَرْأَةُ إِلَى مَسْكَنٍ غَيْرِهِ "
ثم قال ، بعد الإشارة إلى بعض ما قيل من أسباب انتقال المرأة عن بيت زوجها :
" هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهَا الِانْتِقَالُ إِلَّا لِعُذْرٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الْعُذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ " .انتهى . " المنتقى ، شرح الموطأ" .
وعليه : فإذا كنت تخافين من ضرب زوجك ، وأذاه لك ، في حال اعتدادك في بيته : فيجوز لك أن تعتدي في بيت أهلك .
والله أعلم .
تعليق