الحمد لله.
أولاً:
تكفَّل الله تعالى بحفظ كتابه ودينه ، فقال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحِجْر: 9 ، وإنما أغاظ أعداءَ الدين : انتشارُ الإسلام في الآفاق ، وظهور دينه تعالى على الأديان كافة ، تحقيقاً لوعد الله تعالى حيث قال : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) التوبة/ 33 ، الصف/ 9
لذا فلا عجب أن يحاول أعداء الإسلام النيل من القرآن والسنَّة والأحكام الشرعية ، فقد امتلأت قلوبهم غيظاً على حال أديانهم المحرفة ، وأفكارهم البالية ، وقوانينهم التافهة ، وقد أظهر الله الإسلام في الأرض ، وأعلى شأنه ، ولا عجب بعد ذلك من معرفة أنه أكثر الأديان نموّاً ، وقد دخل فيه وتشرف بالانتساب إليه : قادة ، وعلماء ، ومفكرون ، وأدباء ، وساسة ، وهذا كله مع ما يصحب هذا الدين من تشويه لأحكامه ، وطعن في شرائعه ، من المنافقين في داخله ، ومن الكفار في خارجه .
ثانياً:
حتى ما يحاول هؤلاء الأعداء الطعن في الإسلام من خلاله : فإنه قد ثبت بيقين عند العقلاء والحكماء أن ما جاء به الإسلام هو الحق ، والعدل ، والعفاف ، والأمن ، سواء في قضية اختلاط الرجال بالنساء ، أو في عمل المرأة ، وها هي المجتمعات الغربية ومقلدوهم من الشرقيين يعانون من هاتين القضيتين أيما معاناة ، فالنساء في العالم كله يعانين من التحرش الجنسي بهن أقولاً وأفعالاً ، والرجال يعانون من أخذ النساء وظائفهم وهم الذين يُطلب منهم الإنفاق على بيوتهم ، بينما تذهب رواتب النساء إلى الصالونات ، والملابس ، والعطور ! .
قال الدكتور مازن مطبقاني – حفظه الله - :
أما التعرض للمضايقات الجسدية ، أو التحرش الجنسي : فحدِّث ، ولا حرج ، فإذا كان الاغتصاب يصعب تحديد حالاته بدقة ؛ لأن نسبة كبيرة من النساء لا يبلغن عن حدوثه ؛ وذلك لصعوبة إثباته ، أو للمضايقات التي يتعرضن لها إذا ما أقدمن على الشكوى : فإن تعرض المرأة للمضايقات الجنسيَّة بلغ حدّاً كبيراً ، ومما يلفت الانتباه أن ثلثي الشرطيات البريطانيات يتعرضن للمضايقات الجنسية من زملائهن في العمل ، مما أدى إلى قيام إدارة الشرطة بتكليف عالمة نفس بدراسة الوضع واقتراح الحلول المناسبة .
ولكن هل ستقدم عالِمة النفس من المقترحات ما يمنع التحرش الجنسي في إدارة الشرطة ؟ أعتقد أن المجتمعات الغربية عموماً بلغت ما يسمونه " نقطة ألّا رجوع " ، إلا أن يكتب الله لهم الهداية ، فقد بدأ الاختلاط بالزعم أنه " يخفف التوتر الجنسي لدى الطرفين ، ويسمو بالعلاقة بينهما إلى مستوى إنساني ، فلا يعود أحدهما ينظر إلى الآخر من زاوية جنسيَّة فحسب ، وهكذا فالمجتمعات التي تقر الاختلاط تشكو من تفاقم المشكلات الأخلاقية التي تنجم عن العلاقات بين الجنسين .
وقد خصصت مجلة " النيوزويك " الأمريكية Newsweek ملفاً للحديث عن السلوك الجنسي للرجال مع النساء والنساء مع الرجال ، وحرصت على تقديم تعريف للاغتصاب ، ونظراً للاختلاط الذي تعرفه المجتمعات الغربية منذ مئات السنين : فمن الصعب تحديد ما هو الاغتصاب .
ووصل الأمر بانتشار حالات الاغتصاب إلى أن امرأة تعمل شرطية في شرطة لندن تعرضت للاغتصاب في أحد القاطرات في لندن ، في وقت متأخر ، وهي في طريق عودتها إلى بيتها ، وقد انزعجت الشرطة في لندن من ازدياد حوادث الاغتصاب ، لذلك قامت بإصدار بعض التعليمات لمواجهة هذه الحوادث ، ومن التعليمات :
أ. الاحتشام في اللباس .
ب. عدم وضع الأيدي في الجيوب حتى تكون المرأة مستعدة للدفاع إذا ما تعرضت للاعتداء .
ج. عدم الجلوس في الحافلات في الطابق العلوي إذا كانت الحافلة خالية ، والحرص على الركوب قريباً من السائق .
ولكن أنَّى لهن أن يسمعن موعظة ، وقد ذكرني هذا بمحامية أمريكية عجوز استضافها التلفزيون الأمريكي قبل أكثر من عشرين سنة للتحدث في مشكلة الاغتصاب ، فذكرت أن النساء هنَّ سبب ما يقع لهن من حوادث اغتصاب ، حيث الملابس الفاضحة ، والخروج وحيدات دون حماية من رجل ، وأضافت أن الرجل مهما كان مكتفياً غريزيّاً : فإن منظر عري النساء يثيره .
كما أن الاختلاط الذي يعيشه الغرب يتسبب إلى حد ما فيما يعانيه الغرب ، حتى إن مجلة "المختار Reader's Digest قد نشرت تحقيقاً حول الاختلاط في العمل في مجالات الحياة المختلفة ، وما يتسبب فيه من إثارة الغرائز هو أحد أسباب انتشار الجرائم الجنسيَّة ، ومما أوردته المجلة في تحقيقها : " أينما يعمل الرجال ، والنساء معاً : فإن " الافتتان " يأتي بوحي من واقع الميدان ( العمل المختلط ) وليس هذا الانجذاب بسبب سيطرة إفرازات زائدة لهرمون " الأدريانين " فحسب ، ولكن في أي مكان عمل ( مختلط طبعاً ) من المعمل إلى المكتبة العامة " .
هذه الفطرة التي فطر الخالق سبحانه وتعالى عليها ، وهي الانجذاب بين الجنسين : يريد الغرب كبتها في العمل ، وهو ليس بمستطيع ، وهذا ما يقوله أحد العاملين بمعهد العلاقات بين الجنسين في مدينة " سانتا باربرا " بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية : " لا يمكننا أن نشرع قانوناً لإبقاء الميول الغريزية خارج نطاق العمل ، فهذه الميول جزء من شخصية الفرد ، لا تستطيع أن تعطل أداءها بضغطة زر لأنك موجود في العمل " .
ولعل من أسباب هذه الأوضاع أن الحضارة الغربية كما يرى علي عزت بيجوفتش قد " أحالت المرأة إلى موضوع إعجاب ، أو استغلال ، ولكنها حُرِمَت من شخصيتها ، وهو الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير ، والاحترام ، وهذا الموضوع مشهود بشكل مضطرد ، وقد أصبح أكثر وضوحاً في مواكب الجمال ، أو في بعض مهن نسائية معينة مثل " الموديلات " ، وفي هذه الحالات لم تعد المرأة شخصية ، ولا حتى كائناً إنسانيّاً ، وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من حيوان جميل " .
" الغرب من الداخل ، دراسات للظواهر الاجتماعية " ( ص 55 – 57 ) .
فها أنت ترى ما جرَّه الاختلاط بين الرجال والنساء على تلك المجتمعات ، وماذا صار حال النساء اللاتي يعملن في بيئات مختلطة ، أو يتركن بيوتهن ، وأزواجهن ، وأولادهن ، فهدمن بيوتهن ، وخانهن أزواجهن ، وتشرد أولادهن ، ولا عجب بعدها إن علمنا أن ستة ملايين امرأة في أمريكا وحدها تركن أعمالهن ليتفرغن لعمل البيت ، ولرعاية الأولاد ، والعناية بالزوج ، وانظر تعليمات الشرطة البريطانية للنساء بالاحتشام ، وعدم الخلوة ! فها هو الإسلام يدعون له دون التصريح بتسميته ، وللأسف ها هم الزنادقة والمنافقون والجهلة يشككون الناس في الإسلام ، ويطعنون به تصريحاً ، وتلميحاً ، سرّاً ، وعلانية .
ثالثاً:
أما وصف وسائل الإعلام الغربية ، ومن يقلدها من الإمعات المسلمين المتمسكين بدينهم بالأصوليين ، والمتطرفين : فهي تتمة لحلقات ذلك المسلسل السخيف ، والذي كان أبطاله طغاة المشركين ، وجلاوزة الملحدين ، والذين اتهموا الأنبياء وأتباعهم بما ليس فيهم ؛ تنفيراً للناس عنهم ، وعن دعوتهم ، والمسلم ينبغي أن يتوقع هذا من أعداء الدين ، ولا ينبغي أن يؤثر ذلك على دعوته ، وتبليغه دين الله تعالى ، فيكفيه أن سلفه هم الأنبياء عليهم السلام ، ويكفيهم أن سلفهم هم أعداء الله ، ورسله عليهم السلام ، قال تعالى : ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) الذاريات/ 52 ، بل اسمع ماذا قال رأس الكفر فرعون عن موسى عليه السلام ، قال تعالى : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ) غافر/ 26 .
وانظر لمزيد بيان حول هذه المسألة : جواب السؤال رقم : ( 9431 ) .
رابعاً:
وعلى المسلم أخذ كامل حيطته وحذره من أولئك الذين يتهمون المسلمين ظلماً وزوراً ، وعليه واجب تكذيب أولئك بأقواله ، وأفعاله ، فيحتاط من شرهم ، وكيدهم ، ويرد عليهم قولاً وعملاً بحسب قدرته ، واستطاعته ، ولا يكلفه الله تعالى فوق طاقته ، فبعض البلاد تستبيح حرمات الدعاة إلى الله تعالى ، وتسلك معهم سبلاً كثيرة لصدهم عن دعوتهم ، ولو أن أهل الخير والصلاح كانوا كثرة في بلادهم لتغير تعامل حكوماتهم معهم ، فالدعوة إلى الله ، وتكثير سواد أهل الدِّين مما يقوي ظهر الدعوة ، ويحمي الدعاة ، بإذن الله تعالى .
وأما إذا كانت الظروف الأمنية في بلد الأخ السائل – وغيره – مما لا يستطيع معها إظهار دعوته : فليكتف تقوية إيمانه ، وزيادة علمه الشرعي ، مع دعوة الخاصة من أقربائه ، وأصدقائه ، دون الحاجة لإعلان ذلك على رؤوس الملأ .
خامساً:
لا ننصحك بالاهتمام كثيراً بحكم من يستمع لطغاة الإعلام ، ويصدِّق قولهم ؛ فإنه تعتري أولئك موانع كثيرة تمنع الفقيه من إلحاقهم بالزنادقة ، والملحدين ؛ لأنه يُلبَّس عليهم في أشياء تُعرض عليهم قد تكون حقيقية – كتفجير ، أو قتل – ثم يجعلون ذلك ملصقاً بكل من تمسَّك بدينه ، لذا فإننا لا نحبذ لك – ولا لغيرك – الاهتمام بالحكم الشرعي على هؤلاء الناس ؛ لاختلافه باختلافهم ، علماً ، وفهماً ، وإدراكاً .
ونرى أن تنصب جهودك – أخي السائل – على دعوتهم – نقصد أهلك وأقرباءك – واستعمال الحكمة في ذلك ، مع تقديم مزيد من الأدلة والبراهين على كذب وسائل الإعلام تلك في دعواها ، وعلى أنكم على الإسلام الصحيح ، وعلى الحق المبين ، وأن تكونوا قدوة صالحة لأولئك المدعوين ؛ لتكذبوا وسائل الإعلام تلك بأقوالكم ، وأخلاقكم ، وأفعالكم ، فنحن الآن في مقام الدعوة والبيان ، ولسنا في مقام القضاء والسلطان .
تعليق