الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

تقدير المسافات في الأحاديث النبوية

125599

تاريخ النشر : 21-04-2009

المشاهدات : 15624

السؤال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وفى حديث آخر فيما معناه : ( وإن ريحها ليشم من مسيرة مئة عام ) والسؤال هو : لماذا عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسافة بوحدة زمنية وهي العام ، أما كان أحرى أن يقول : مائة كيلو ، أو أي وحدة من وحدات المسافة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

الواجب على المؤمن أن يكون معظماً للرسول صلى الله عليه وسلم متأدباً معه ، ولا يجوز له أن يجترئ على مقام النبوة فيزعم أن الأفضل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول كذا ولا يقول كذا ، فمقام النبوة أعظم من هذا ، فما قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل وهو الأحكم والأحسن .

ولا مانع من أن يسأل المؤمن عن حكمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا ، ولكن يختار لذلك من الألفاظ ما لا يخدش جناب النبوة ومقامها العظيم .

ثانياً :

بعث النبي صلى الله عليه وسلم في العرب وكانوا أمة أمية (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) الجمعة/2 ، وكانت أشهر مقاييسهم في تحديد المسافات هي تحديد ذلك بالمسافة التي تقطع في الوقت معين .

فذلك الضبط بالنسبة لهم كان أظهر وأوضح في بيان المقصود من أي تقدير آخر ، لأنهم كانوا يكثرون السفر والتنقل ، ويعرفون كم تقطع الإبل بهم في مسيرة اليوم والليلة الواحدة ، فكثر ذلك في خطابهم .

فكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمل المقاييس المشهورة المعروفة عندهم ، حتى يحصل المقصود من الكلام ، ويفهم معناه ، ولو تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمقاييس غير المشهورة عندهم لكان هذا خلاف البيان والبلاغة ، حيث يخاطب الناس بما لا يعرفون ، أو بما لا يعرفه أكثرهم ، من غير فائدة لذلك .

وليس في تحديد المسافة بذلك أي غضاضة ، بل هو أمر اصطلاحي يختلف باختلاف الزمان والمكان ، ولا يزال هذا التقدير مستعملاً إلى اليوم .

فنحن نسمع اليوم في المقاييس الحديثة ما يسمى بـ "السنة الضوئية" : وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة ، يعني مسيرة سنة بالنسبة للضوء . فهذا يوافق التقدير المنقول في بعض الأحاديث ، والتقدير المشهور عند العرب في الجاهلية قبل الإسلام ، وفي صدر الإسلام .

قال الدكتور جواد علي :

"استخدم الجاهليون مصطلحات خاصة في تقدير المسافات والأبعاد ، ولا سيما في الأسفار . فاستعملوا مصطلح : مسيرة ساعة ، ومسيرة ليلة ، ومسيرة نهار ، ومسيرة قافلة ، وأمثال ذلك ، وقصدوا بذلك معدَّل ما يقطعه الإنسان والقافلة في المدد المذكورة" انتهى .

"المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (14/313) .

وقد جاء في السنة النبوية استعمال مصطلح "الميل" :

فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ) رواه مسلم (2864) .

كما استعمل العرب وحدة : " الإصبع "، و " الشبر "، و" الباع "، و " البريد "، و " الفرسخ "، وغير ذلك من الوحدات المشتهرة في كتب الفقهاء ، ويمكن الرجوع إلى بعض الدراسات المعاصرة التي تبين مقادير هذه الوحدات بالمقاييس المعاصرة . منها بحث الشيخ عبد الله بن منيع المقدم للندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب