الحمد لله.
أولا :
لا يجوز الاستهزاء بالناس أو السخرية بهم أو تعييرهم بعيب أو ذنب ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الحجرات/11 .
وقال تعالى : ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) الهمزة/1.
والهمز يكون بالإشارة ، واللمز يكون بالقول ، واللماز هو العيّاب الطعان ، والويل : واد في جهنم .
وفي هاتين الآيتين الكريمتين : تحريم السخرية ، وتحريم اللمز والهمز ، وتحريم التنابز بالألقاب ، والإخبار بأن ذلك فسوق وظلم ، وتوعّد فاعل ذلك بالويل ، وإرشاد العباد إلى أمر عظيم وهو أن الخيرية عند الله تعالى ليست بالهيئة والشكل والمظهر ، فقد يسخر الإنسان ممن هو خير منه وأفضل ، عند الله تعالى .
ثم من الذي يسلم من العيوب ، حتى يعيب غيره ؟!
ولو فرض وجود إنسان لا عيب له ظاهر ، فهذا حري به أن يحمد الله تعالى ، وأن يشكره على نعمته ، لا أن يسخر من عباده وخلقه .
ومن الذي يأمن تبدل الحال ، وتغير المآل ، فقد يمسي الجميل قبيحا ، والغني فقيرا ، والضاحك باكيا .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية الحجرات : " ينهى تعالى عن السخرية بالناس ، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس ) ويروى : ( وغمط الناس ) والمراد من ذلك : احتقارهم واستصغارهم ، وهذا حرام ، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقِر له ؛ ولهذا قال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ) ، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء.
وقوله : ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) أي : لا تلمزوا الناس . والهمَّاز اللَّماز من الرجال مذموم ملعون ، كما قال تعالى : ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) الهمزة/1، فالهمز بالفعل ، واللمز بالقول ، كما قال : ( هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ) القلم/11 أي : يحتقر الناس ويهمزهم طاعنًا عليهم ، ويمشي بينهم بالنميمة وهي : اللمز بالمقال ؛ ولهذا قال هاهنا : ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) ، كما قال: ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) النساء/29 أي: لا يقتل بعضكم بعضا.
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومقاتل بن حَيَّان: ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) أي: لا يطعن بعضكم على بعض.
وقوله: ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) أي: لا تتداعوا بالألقاب ، وهي التي يسوء الشخص سماعها " انتهى .
وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يحمل صاحبه على حسن الخلق ، والتواضع للناس ، وترك أذاهم بالقول والفعل ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ ) رواه الترمذي (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى ما يقوله الإنسان إذا رأى مبتلا ، فقال : ( مَنْ رَأَى
صَاحِبَ بَلاءٍ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا إِلا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ ) رواه الترمذي (3431) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ثانيا :
الحديث الذي أشرت إليه ، وهو حديث : ( من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله ) حديث غير صحيح ، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13731) .
ولكن الاستهزاء بالناس محرم ، ويُخشى على صاحبه أن يسلب النعمة ، وأن يعاقب فيصاب بمثل ما استهزأ به من ذنب أو عيب .
ثالثا :
التوبة من هذه الذنوب المتعلقة بالآخرين : إنما تكون بالتحلل من أصحابها ، مع الندم عليها ، والعزم على عدم العود لها مستقبلا .
ومن علمت باستهزائك بها فلابد من الاعتذار لها وطلب العفو والمسامحة ، ومن لم تعلم فلا تخبريها بما وقع منك ، ولكن .. أكثري من الدعاء والاستغفار لها والثناء عليها.
وأكثري من الصدقة بالمال والأعمال الصالحة ، فإن الصدقة تكفر الخطيئة ، والحسنات يذهبن السيئات .
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ، ويغفر ذنبك .
والله أعلم .
تعليق