الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1446 - 19 نوفمبر 2024
العربية

طبع لصديقه بحثاً فيه مخالفات للشرع لئلا ينفر منه

126464

تاريخ النشر : 20-12-2008

المشاهدات : 5633

السؤال

أنا أعمل في مجال كتابة الأبحاث العلمية ، وقد أحضر لي صديق مسلم بحثاً مكتوباً له ؛ لأقوم بكتابته على الحاسب ، ثم طباعته ، هذا البحث يتحدث عن أعمال أحد الأدباء النصارى ، فلم يكن البحث يخلو في محتواه مما يخص عقائد النصارى ، ونظرتهم إلى الله ، والآلهة ، وما إلى ذلك ، وقد توسل لي أن أكتبه له بشدة ، بسبب ضيق الوقت المقرر لتسليم البحث ، فقبلتُ رغبة مني في أن أجعله يتقرب إليَّ أكثر ، وأن أدعوه إلى الله ، فهو شخص غير ملتزم ، ولكنه ينظر إليَّ باعتباري مثالاً للشخص المسلم ، فأنا أدعوه على فترات متباعدة ، دون أن يشعر عن طريق ما أفعله أمامه ، أو الطريقة التي أعامل بها من حولي ؛ لأنه سريع النفور من الدعوة ، ولو لم أكن قبلتُ بحثه : لقطع علاقته بي ، فهل أنا على صواب ؟ . وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله.

إذا كان صاحبك قد علَّق على ما في بحثه هذا مما يخالف عقائد الإسلام ، وبيَّن بطلانها فلا حرج من كتابة هذا البحث ونشره ، لأنك بيَّنت أن هذا باطل .

وأما إذا كان البحث مجرد حكاية لما يقوله ذلك الأديب النصراني من غير بيان لما في كلامه من باطل ، - وهذا هو الظاهر من سؤالك – فلا يجوز كتابة هذا البحث ولا نشره ولا مساعدته على ذلك.

وكيف يليق بمسلم أن يكتب بيده كلاماً فيه سب الله تعالى وتنقصه ؟!

وأقل درجات إنكار المنكر : أن ينكر المسلم بقلبه ، وذلك يتضمن كراهة لذلك المنكر وابتعاده عنه وعدم إقراره ، وأما اعتذارك عن هذا بأنك أردت تأليف قلبه واستمرار دعوته ، فهو اعتذار لا يبيح للمسلم كتابة أعظم المنكرات بيده ، وهو الشرك ، وقد نهى الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عن أقل مما فعلت ، وكان مقصده من ورائه ما هو أعظم مما قصدت ، قال الله تعالى : ( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ) الأنعام/ 52 .

قال القرطبي رحمه الله :

" قوله تعالى : ( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ) الآية ، قال المشركون : ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء - يعنون سلمان ، وصهيباً ، وبلالاً ، وخبَّاباً - فاطردهم عنك ، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك ، فهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، ودعا عليّاً ليكتب ؛ فقام الفقراء ، وجلسوا ناحية ؛ فأنزل الله الآية ، ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح : ( فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ) .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعاً في إسلامهم ، وإسلام قومهم ، ورأى أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئاً ، ولا ينقص لهم قدراً ، فمال إليه ، فأنزل الله الآية ، فنهاه عما همَّ به من الطرد ، لا أنه أوقع الطرد " انتهى .

" تفسير القرطبي " ( 6 / 431 ) .

وقد عاتب الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم على فعلٍ أقلَّ من فعلك اجتهد فيه لتحصيل مصلحة عظيمة من أجل إسلام بعض رؤساء الجاهلية ، فقال تعالى : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَن جَاءهُ الأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى . فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى . وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى . وَهُوَ يَخْشَى . فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى . كَلاَّ ) عبس/ 1 – 11 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش ، وقد طمع في إسلامه ، فبينما هو يخاطبه ، ويناجيه : إذ أقبل ابن أم مكتوم -وكان ممن أسلم قديماً - فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، ويلح عليه ، وودَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كفَّ ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل ؛ طمعاً ، ورغبةً في هدايته ، وعبس في وجه ابن أم مكتوم ، وأعرض عنه ، وأقبل على الآخر ، فأنزل الله عز وجل : (عبس وتولى . أن جاءه الأعمى .. ) " انتهى .

" تفسير ابن كثير " ( 8 / 319 ) .

والذي كان ينبغي لك فعله أن تصدق معه ، فتخبره بحكم فعلك لو وافقتَه في طباعة ذلك البحث ، وحكم فعله هو في كتابته أصلاً ، وبذا يحصل النفع التام ، لك ، فتسلم أنت من الإثم ، وله ، فلعله يعيد النظر فيما كتب ، ويحذف ما فيه مخالفة للشرع .

ويكون ذلك برفق ولين حتى لا ينفر صاحبك ، وتتمكن من الاستمرار من دعوته .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب