الجمعة 1 ربيع الآخر 1446 - 4 اكتوبر 2024
العربية

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف

السؤال

أريد أن أعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف .

الجواب

الحمد لله.

كان هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف أكمل هدي وأيسره .

اعتكف مرة في العشر الأول ثم الأوسط يلتمس ليلة القدر ، ثم تبين له أنها في العشر الأخير فداوم على اعتكاف العشر الأخير حتى لحق بربه عز وجل .

وترك مرة اعتكاف العشر الأخير فقضاه في شوال فاعتكف العشر الأول منه . رواه البخاري ومسلم .

ولما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً . رواه البخاري (2040) .

"قِيلَ : السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْم بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ لِيُبَيِّنَ لأُمَّتِهِ الاجْتِهَادَ فِي الْعَمَل إِذَا بَلَغُوا أَقْصَى الْعَمَل لِيَلْقَوْا اللَّهَ عَلَى خَيْرِ أَحْوَالِهِمْ , وَقِيلَ : السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ جِبْرِيل كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلّ رَمَضَانَ مَرَّةً , فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ فَلِذَلِكَ اِعْتَكَفَ قَدْرَ مَا كَانَ يَعْتَكِف مَرَّتَيْنِ.

وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا اِعْتَكَفَ فِي ذَلِكَ الْعَام عِشْرِينَ لأَنَّهُ كَانَ الْعَام الَّذِي قَبْلَهُ مُسَافِرًا , وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْر الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَان , فَسَافَرَ عَامًا فَلَمْ يَعْتَكِف , فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ اِعْتَكَفَ عِشْرِينَ " اهـ من فتح الباري .

وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بخباء ( على مثل هيئة الخيمة ) فيضرب له في المسجد ، فيمكث فيه ، يخلو فيه عن الناس ، ويقبل على ربه تبارك وتعالى ، حتى تتم له الخلوة بصورة واقعية .

واعتكف مرة في قُبَّة تركية (أي خيمة صغيرة) وجعل على بابها حصيراً . رواه مسلم (1167) .

قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/90) :

"كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه ، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ، ومجلبة للزائرين ، وأخذهم بأطراف الحديث بينهم ، فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون" اهـ .

وكان دائم المكث في المسجد لا يخرج منه إلا لقضاء الحاجة ، قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها : (وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا ) رواه البخاري (2029) ومسلم (297) . وفي رواية لمسلم : ( إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ ) . وَفَسَّرَهَا الزُّهْرِيُّ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِط .

وكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على نظافته فكان يخرج رأسه من المسجد إلى حجرة عائشة فتغسل له رأسه صلى الله عليه وسلم وتسرحه .

روى البخاري (2028) ومسلم (297) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ (أي : معتكف) فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ . وفي رواية للبخاري ومسلم : (فَأَغْسِلُهُ) . وترجيل الشعر تسريحه .

قال الحافظ :

"وَفِي الْحَدِيث جَوَاز التَّنَظُّفِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْغَسْلِ وَالْحَلْقِ وَالتَّزَيُّن إِلْحَاقًا بِالتَّرَجُّلِ , وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لا يُكْرَهُ فِيهِ إِلا مَا يُكْرَه فِي الْمَسْجِدِ" اهـ .

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا كان معتكفاً ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ، وذلك من أجل التركيز الكلي لمناجاة الله تعالى ، وتحقيق الحكمة من الاعتكاف وهي الانقطاع عن الناس والإقبال على الله تعالى .

قالت عائشة : (السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لا يَعُودَ مَرِيضًا ، وَلا يَشْهَدَ جَنَازَةً ، وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا ، وَلا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلا لِمَا لا بُدَّ مِنْهُ ) . رواه أبو داود (2473) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

"وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا " تريد بذلك الجماع . قاله الشوكاني في "نيل الأوطار" .

وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف صلى الله عليه وسلم فلما قامت لتذهب قام معها ليوصلها ، وكان ذلك ليلاً .

فعن صَفِيَّةَ زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا . أي : ليردها إلى منزلها . رواه البخاري (2035) ومسلم (2175) .

وخلاصة القول كان اعتكافه صلى الله عليه وسلم يتسم باليسر وعدم التشدد ، وكان وقته كله ذكراً لله تعالى وإقبالاً على طاعته التماساً لليلة القدر .

انظر : "زاد المعاد" لابن القيم (2/90) ، "الاعتكاف نظرة تربوية" للدكتور عبد اللطيف بالطو .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب