الحمد لله.
أولا :
الهجرة من بلاد الكفر يختلف حكمها باختلاف حال الإنسان ومدى قدرته على الهجرة وعلى إظهار دينه هناك .
فتجب الهجرة على من عجز عن إظهار دينه ، واستطاع الهجرة .
وأما من قدر على إظهار دينه ، فتستحب له الهجرة ولا تجب ، ومن عجز عن الهجرة ، فقد عذره الله تعالى .
قال ابن قدامة رحمه الله : " فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب :
أحدها : من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ) . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب . ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
الثاني : من لا هجرة عليه . وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ) . ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها .
والثالث : من تستحب له , ولا تجب عليه . وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم . ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة" انتهى من "المغني" (9/236).
وعليه ؛ فإذا كنت قادرا على إظهار دينك في البلد الأوربي ،والمحافظة على دين أولادك ، فإن الهجرة لا تجب عليك ، لكن انتقالك إلى بلد من بلدان المسلمين أفضل وأسلم لك ولأولادك ، فإن كان في ذلك مشقة على أهلك ، فابذل الوسع في إقناعهم والتخفيف عنهم وبيان محاسن هذا الانتقال ، فإن تم ذلك فالحمد لله ، وإلا فلا حرج عليك في العودة إلى أوربا ، ثم محاولة الهجرة مرة أخرى حين يتيسر ذلك لك ولأهلك .
ولا ينبغي أن تترك أولادك وزوجتك يعودون إلى أوروبا دونك ، لما في ذلك من زيادة الخطر عليهم .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (13363) .
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .
تعليق