الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

وقفات مع كتاب " هرمجدون " وبيان حقيقة الملحمة في آخر الزمان

128682

تاريخ النشر : 14-03-2009

المشاهدات : 266236

السؤال

قرأت وأنا أتصفح أحد المواقع الإسلامية ما يسمَّى بـ ” هارمجدون ” – ” الحرب العالمية الثالثة ” – ومختصر المعلومات عنها أنها : ملحمة كبرى تكون بعد ” أرمجدون ” ، وفي أعقابها ، ويمكن أن نميز ” أرمجدون ” بالآتي :
1. هي حرب تحالفية عالمية يشترك فيها معظم أهل الأرض .
2. الأرض الرئيسة للمعركة ” وادي مجيدو ” بفلسطين .
3. هي حرب مدمرة تقضي على معظم أسلحة الدمار الشامل .
4. وهي تمهيد للملحمة الكبرى ، إذ يستعين الروم – أمريكا وأوربا – بالمسلمين للقضاء على الشر – الصين وروسيا وإيران ومن معهم – ، ويتم لهم ما أرادوا , ثم يشحذوا سيوفهم للقضاء على المسلمين في الملحمة الكبرى ، والتي تتميز بالآتي :
1. تكون بعد ” أرمجدون ” العالمية ، وفي أعقابها .
2. هي لقاء مباشر بين الغرب الصليبي ، والمسلمين .
3. تكون في ” سوريا ” , وتحديداً في مكان بالقرب من دمشق .
4. يكون قائد المسلمين فيها المهدي عليه السلام .
5. هي حرب بالخيل ، والسيوف .
6. مدتها أربعة أيام .
7. النصر في النهاية فيها للمسلمين .
ومن خلال قراءتي للموضوع لم أجد آية قرآنية مذكورة ، أو حديث نبوى ، يدل على تلك المعلومة .

الجواب

الحمد لله.

1. ” هَرْمَجِدُّون ” ، أو : ” آرمجدون ” كلمة عبرية ، مكونة من كلمتين : ” هار ” بمعنى ” تل ” ، و ” مجدُّو ” اسم مدينة في شمال فلسطين – ويطلق عليها ” مجيدو ” – .

2. ليس لهذه الكلمة وجود في ديننا ، لا اسماً ، ولا وقوعاً ، لا في أحاديث صحيحة ، ولا ضعيفة ، فتسمية هذه المعركة : ” هرمجدون ” ، وتحديد مكانها في فلسطين : ليس مأخوذاً إلا من التوراة والإنجيل .

أ. ففي ” التلمود ” – وهو عند اليهود أقدس من التوراة نفسها – : ” قبل أن يحكم اليهود نهائيّاً : لا بد من قيام حرب بين الأمم ، يهلك خلالها ثلثا العالم ، ويبقون سبع سنين ، يحرقون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر ” .

ب. وجاء في ” الإنجيل ” – سِفر رؤيا يوحنا 16 : 15 ، 16 – على لسان عيسى عليه السلام – على زعمهم – واصفاً مجيئه المفاجئ في آخر الزمان : ” ها أنا آتي كلص ! طوبى لمن يسهر ، ويحفظ ثيابه ؛ لئلاَّ يمشي عرياناً ، فيروا عريته ، يجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية ” هرمجدُّون ” .

3. المعلومات التي في السؤال مصدرها : كتاب ” هرمجدون ، آخر بيان يا أمة الإسلام ” ، للمدعو : أمين محمد جمال الدين ، وهو كتاب سيئ ، قد ردَّ عليه كثير من أهل العلم ، وبينوا تخبطه ، وجهله ، ويكفي أنْ يُعلم أنَّ من مراجعه المعتمدة كتاب لكاهنٍ شهير ، ولم يكتف بهذا ، بل زعم أن هذا الكاهن قد أخذ كهانته عن الإسلام ! .

وقد بان زيف ادعاءاته الممجوجة بمرور التواريخ التي ادَّعى فيها وقوع أحداث معينة ، فقد ادَّعى صاحب الكتاب – مثلاً – : أن ” المهدي ” سيظهر بعد حكم ” طالبان ” لأفغانستان بست سنوات ، أي : عام 2002 م ، وقد بان كذب هذا ، فقد سقط حكم ” طالبان ” ، واحتُلت دولتها ، ولم يظهر ” المهدي ” ، ونحن في أوائل العام 2009 م ! – 1430 هـ – .

وملخص الكلام حول الكتاب في ما قاله ونقله الأستاذ حمدي شفيق :

قال – حفظه الله – :

إن الكتاب المذكور كتاب خطير ، مليء بالجهل ، والافتراءات على نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومنهجه مبني على تحريف كل شيء ، وعلى لي أعناق النصوص لتوافق الواقع ، إلى غير ذلك من أنواع الخطأ الكبير ، والضلال المبين .

ويجب الحذر من هذا الكتاب ، والتحذير من كاتبه ، ومقاطعة كل ما يكتبه ويؤلفه بعدم الشراء ؛ لأن ذلك يردعه ، هو وأمثاله عن أن يتاجر بدين الأمة ، ومن أن يستخف بعقول المسلمين .

” العلماء يردون على أسطورة هرمجدون ” ( ص 24 ) .

وقال – حفظه الله – بعدها :

من أفضل وأشمل الردود على كتاب ” آخر بيان يا أمة الإسلام ” : ذلك الرد العلمي الرصين ، الذي كتبه الدكتور ” عبد العزيز دخان ” في مجلة ” الفقه السياسي ” ، ولأهمية هذا الرد الثري الرائع : نورده فيما يلي :

إن أخطر ما يمكن ملاحظته من سلبيات مثل هذا الكتاب هي :

1. المبالغة ، والتهويل ، والإثارة ، واستغلال العواطف في قضايا تحتاج إلى دراسة علمية هادئة ، وليس المناداة بالويل ، والثبور ، وعظائم الأمور ، فهذا منهج لم يخدم قضايانا بالأمس ، ولن يخدمها فى الحاضر ، أو المستقبل .

2. الاعتداء على قواعد المحدثين ، في توثيق النصوص ، ونقد الأقوال ، وتصحيح الأحاديث ، وتوثيقها ، والتلبيس على المسلمين فى بعض هذه القواعد ، وتقريرها بشكل غير صحيح .

3. الاعتماد على مراجع نبَّه العلماء المعتمدون على ضعف ما فيها من الأحاديث والأخبار .

4. الخطأ فى الاستدلال ببعض مواقف الصحابة فى هذه المسائل والقضايا .

5. نشر روح التواكل بين أبناء المسلمين ، انتظاراً للقادم الذي يخلصهم مما هم فيه .

6. الدعوة إلى العزلة ، المذمومة ، السلبية ، التي لا تعني فى النهاية سوى الهروب من الواقع ، وإفساح المجال لأهل الفساد ليعيثوا فى الأرض فساداً .

انتهى
وينظر في الرد على الكتاب :
1. ” الحقائق المطموسة في كتاب هرمجدون ” لمجدي سعد أحمد .

2. ” الرد الأمين على كُتب ” عُمر أُمّة الإسلام ” و ” ردّ السهام ” و ” القول المبين

” لحمدي شفيق .
ومن الردود الصوتية :
1. ” التحذير من كتاب هرمجدون ” ، للشيخ محمد عبد المقصود .

2: ” الرد العلمي على كتاب هرمجدون ” ، للشيخ عادل يوسف العزازي .

وكلها متوفرة في موقع ” طريق الإسلام ” .

4. ثبت في صحيح السنَّة أنه سيقع في آخر الزمان ” صلح ” بين المسلمين والنصارى ، ثم نقاتل نحن وهم عدوّاً ، ثم نقاتلهم في ” ملاحم كبرى ” .

عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ ذِي مِخْمَرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ فَتَسْلَمُونَ وَتَغْنَمُونَ ثُمَّ تَنْزِلُونَ بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الرُّومِ فَيَرْفَعُ الصَّلِيبَ وَيَقُولُ أَلَا غَلَبَ الصَّلِيبُ فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَكُونُ الْمَلَاحِمُ فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْكُمْ فَيَأْتُونَكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً مَعَ كُلِّ غَايَةٍ عَشْرَةُ ) .

رواه أبو داود ( 4292 ) وابن ماجه ( 4089 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود “.

والحديث – كما نرى – فيه قتالان ، قتال مع النصارى ضد عدو غيره ، وقتالنا ضد النصارى بعد ذلك ، و ” هرمَجدون ” عند الكاتب هي المعركة الأولى ، وهي الثانية عند أهل الكتاب ! والحديث ليس فيه تعرض للعدو الذي نقاتله مع الروم ، ولا فيه تعرض للمكان الذي ستقع فيه المقتلة ، و ” هرمجدون ” عند أهل الكتاب هي قتالهم لنا نحن المسلمين ، ومعنا الوثنيين ! ، وأرض المعركة عندهم هي : ” فلسطين ” ، وعليه : فمن زعم أن ” هرمجدون ” هي ” الملحمة ” الوارد ذِكرها في صحيح السنَّة “: فقد أخطأ ، وثمة فروقات بين المقتلتين .

قال الشيح محمد بن إسماعيل المقدَّم – حفظه الله – :

وهاك حاصلَ الفروقِ الأساسية بين ” الملحمة ” ، وبين ” هرمجدون ” :

الأول : أن خبر الملحمة ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ، كما تقدم ، أما ” هرمجدون ” : فاصطلاح نصراني ، إسرائيلي لا يُدرى مدى مصداقيته ، ولا ثبوته ، وهو مجرد اسم للموضع الذي يدَّعى أن المعركة ستقع فيه ، في حين ثبت عنه صلى الله عليه وسلم تسمية موضع الملحمة بأنه ” الأعماق ” ، أو ” دابق ” – موضعان بالشام ، قرب حلب .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ ) .

رواه مسلم ( 2897 ) .

الثاني : ستقع الملحمة بين أهل الإسلام أتباع خير الأنام صلى الله عليه وسلم ، وبين الروم النصارى الضالين ، في حين يدَّعي أهل الكتاب أن معركة ” هرمجدون ” طرفاها: قوى الشر ، ممثلة – في زعمهم – في المسلمين ، ومن حالفهم – من الوثنيين ، ويدخل في هذا اللفظ عندهم : الصينيون ، والكوريون ، والفيتناميون ، واليابانيون ، والذين تسميهم التوراة : ” يأجوج ومأجوج ” – ، وقوى الخير ، وهم النصارى – في زعمهم – .

الثالث : ثبت أن الله عز وجلَّ ينصر المسلمين على أعدائهم في ” الملحمة ” ، في حين يدَّعي أصحاب ” هرمجدون ” أن الغلبة ستكون لهم على ” قوى الشر ” ، وهم المسلمون – في زعمهم – .

الرابع : يحدد أهل الكتاب موعد ” هرمجدون ” ، وينتظرون فيه مسيحهم على رأس الألف ، سواءً الأولى ، أو الثانية ، فإن طال الزمان فسينتظرون في الألف الثالثة ، أما الأحاديث النبوية الشريفة : فلم تحدد موعداً للملحمة سوى أنها من أشراط الساعة .

إن ” هرمجدون ” ضد السنن الكونية ، والشرعية ، و ” الملحمة ” متوافقة معها .

” هرمجدون ” : يأس ، وقنوط ، والملحمة : بشرى ، وأمل .

إن ” هرمجدون ” : تحبِط ، وتخذِّل ، و ” الملحمة ” : تنعش الرجاء ، وتبعث الأمل .

” هرمجدون ” : تدعو إلى استحضار هزيمتنا كأمر واقع ، و ” الملحمة ” تجعل انتصار المسلمين هو الأمر الواقع .

” خدعة هرمجدون ” ( ص 31 – 33 ) باختصار وتصرف يسير .

ولا يجوز الجزم بتنزيل الأحاديث الصحيحة على واقع يراه الباحث مناسباً للحديث دون ضوابط ، وهذا ليس صنيع المحققين من أهل العلم ؛ إذ هو غيب لا يَدري عن حقيقته أحد ، وما يراه الباحث من الوقائع مناسباً في زمانه قد يأتي ما هو أنسب منه في زمانٍ بعده ، فقول الكاتب إن العدو الذي يقاتله المسلمون والنصارى هم الصين وروسيا وإيران : هو من علم الغيب ، ولا يحل لأحدٍ أن يجزم به ، وهو ما وقع به مؤلف كتاب ” هرمجدون ، آخر بيان يا أمة الإسلام ” ، المدعو : أمين محمد جمال الدين ص 7 ، 48

وللوقوف على ضوابط تنزيل الأحاديث على الوقائع : ينظر :

أ. ” فقه أشراط الساعة ” ( من ص 253 – 293 ) للشيخ محمد إسماعيل المقدَّم .

ب. ” معالم ومنارات في تنزيل أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة على الوقائع والحوادث ” للأستاذ عبد الله بن صالح العجيري .

وكلاهما متوفر على الشبكة العنكبوتية .

6. وأخيراً : إن التنصيص على معركة باسم ” هرمجدون ” هو اعتقاد للنصارى ، وأما اليهود فلايوافقونهم في هذا ، بل هم يستثمرون بلههم ، وجهلهم ؛ ليمكنوهم من الاستقرار في فلسطين ، ومن هدم ” المسجد الأقصى ” ، وإلا فإنهم ينتظرون ” الدجال ” ، فهو ملكهم ، لا عيسى بن مريم الذي يكفرونه ، ويزعمون أنه ابن زنا – قاتلهم الله – .

قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان تلاعب الشيطان باليهود – :

ومن تلاعبه بهم : أنهم ينتظرون قائماً من ولد داود النبي ، إذا حرك شفتيه بالدعاء : مات جميع الأمم ، وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وُعدوا به ! وهم في الحقيقة إنما ينتظرون مسيح الضلالة ” الدجَّال ” ، فهم أكثر أتباعه ، وإلا فمسيح الهدى عيسى بن مريم عليه السلام يقتلهم ، ولا يُبقي منهم أحداً .

والأمم الثلاث تنتظر منتظراً يخرج في آخر الزمان ؛ فإنهم وُعدوا به في كل ملة ، والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى ابن مريم من السماء ، لكسر الصليب ، وقتل الخنزير ، وقتل أعدائه من اليهود ، وعبَّاده من النصارى ، وينتظرون خروج المهدي من أهل بيت النبوة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .

” إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ” ( 2 / 338 ) .

وقال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدَّم – حفظه الله – :

إن اليهود لا يوافقون النصارى بالطبع في مفهومهم عن الألفية ، فالمعركة العظمى عندهم هي ” يوم غضب الرب ” ، وليس ” هرمجدون ” ، كما أن الذي سيظهر – طبقاً لعقيدتهم – هو ” المسيح المنتظر ” الآتي للمرة الأولى ، وليس المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، وبالرغم من ذلك فإن اليهود يروِّجون لعقيدة ” هرمجدون ” في الفكر النصراني الغربي ، بل ينفقون الأموال الطائلة لترسيخها في عقل الغرب الخاوي دينيّاً ، لأنها تخدِم أهدافهم السياسية ، في تكوين وطن قومي لهم في ” فلسطين ” من جانب ، كما تساعدهم على تحقيق حلْمهم في السيطرة على العالم من جانب آخر ، وهو ما يعني تسييس الدين في خدمة الأهداف القومية اليهودية ، بل تنظم الدولة اللقيطة رحلات سياحية دورية لجذب المؤمنين بـ ” الهرمجدون ” من كل دول العالم وفي مقدمتها ” أمريكا ” ، لزيارة وادي ” هرمجدون ” مسرح العمليات المرتقبة ، ومكان معركة نهاية البشر ، التي يدَّعون أن من يدركها ، أو يدرك العودة الثانية للمسيح : فإن شبابه سوف يتجدد ، ليبدأ حياة سعيدة ، لمدة ألف سنة من السلام التام .

” خدعة هرمجدون ” ( ص 37 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب