الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

ليس لك أن تبقى في عمل محرم لفقرك

128990

تاريخ النشر : 18-08-2009

المشاهدات : 9356

السؤال

أنا مغترب ، وتركت الأهل والوطن للبحث عن لقمة العيش ، كنت أعمل في شركة ، وبعد فترة طلبت مني الشركة البحث عن كفيل للعمل لديه ونقل كفالتي ؛ لأنها ستقوم بتصفية الشركة ، وقد جلست مدة ثلاثة أشهر في البحث عن عمل آخر ، وأخيراً بعد جهد وعناء ومشقة حصلت على عمل في جهة معينة ، وقبل أن أتقدم لهذا العمل استخرت الله وصليت ركعتي الاستخارة وقبل أن يتم نقل الكفالة على هذه الجهة كان أمامي عقبات كثيرة جداً وكنت متوقعاً عدم نقل الكفالة ، ولكن تسهَّلت الأمور بشكل لم أتوقعه وتم فعلاً نقل الكفالة ، وبعد أن استلمت العمل قال الناس بأن العمل في مثل جهتك يُعدُّ حراماً ، وطبعاً أنا لم أعرف ذلك نهائياً من قبل ، وأنا حاليا مستقيل من عملي في بلدي ، ومن هنا أنا لا أستطيع ترك هذا العمل أو نقل الكفالة على عمل آخر بسبب ليس في يدي ، ولكن بسبب الأنظمة المتبعة ، وليس لي إلا السفر نهائياً إلى بلدي ، ما موقفي من هذا العمل؟ وما رأي سماحتكم في ركعتي الاستخارة؟ وكل ما أرجوه التكرم عليّ بإجابة واضحة .

الجواب

الحمد لله.

"لا ريب أن المؤمن يبتلى في هذه الدنيا ، تارة بالأمراض وتارة بالحاجة والفقر ، وتارة بتعسر الأعمال التي تعينه على لقمة العيش ، وتارة بغير ذلك .

فالواجب على المؤمن عند الابتلاء التحمل والصبر ولزوم الحق والحذر مما حرم الله عزَّ وجلَّ ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) .

فعليك يا أخي أن تشكر الله على ما يسر لك من النعمة والسراء ، وأن تتحمل الصبر على ما يسوؤك من قلة العمل وصعوبة العمل أو صعوبة لقمة العيش أو غير هذا مما يسوء الإنسان ، لابد من الصبر والتحمل وأما استخارتك في عمل اشتبه عليك أمره ، هل تعلمه أو لا تعلمه فلا بأس ؛ فالاستخارة مشروعة في الأمور التي تشتبه ، كأن يريد السفر ويشتبه عليه السفر هل هو صالح أم لا فيستخير ، أو يريد الزواج بامرأة من بني فلان فيستخير ؛ هل زواجه بها مناسب وطيب أم لا ، أو يريد معاملة إنسان في تجارة فيستخير هل معاملته مناسبة أم لا ، لا بأس ، فهذا العمل الذي استخرت فيه ، إذا كان قد اشتبه عليك ولم تعلم أنه مناسب واستخرت الله جل وعلا أن يشرح صدرك لما يرضيه وأن يسهل لك هذا الأمر إن كان صالحاً مباحاً ، هذا لا بأس به .

ثم إذا تبين لك بعد ذلك أن العمل غير صالح فلا مانع حينئذ من أن تستقيل وتُؤْثر ما عند الله ، بل يجب عليك ذلك ، ولكن بعد التثبت بعد سؤال أهل العلم ، بعد التصبر ، فإذا ظهر لك بالأدلة الشرعية أو بفتوى أهل العلم المعتبرين أن هذا العمل لا يجوز ، كالعمل في بنوك الربا ، وكالعمل في بيع الخمور وبيع التدخين أو حلق اللحى أو ما أشبه ذلك مما هو محرم ، فإذا عرفت أن العمل محرم فاترك العمل ، ويعطيك الله أبرك منه ، يقول الله سبحانه : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2 ، 3 ، ويقول سبحانه : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4 .

وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : (من ترك شيئاً لله ـ وفي لفظ : من ترك شيئاً اتقاء الله ـ عوضه الله خيرا منه) .

فإذا كان هذا العمل اتضح لك بالأدلة الشرعية أو بفتوى أهل العلم المعتبرين أنه عمل لا يجوز فعليك أن تستقيل منه وتلتمس عملاً آخر ، ولا تقول : أنا لا أستطيع ، ليس لك أن تعيش من الحرام ، بل عليك أن تلتمس الحلال ولو سألت الناس عند الضرورة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لقَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ لما سأله : (يَا قَبِيصَةُ ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ : رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ـ أَوْ قَالَ : سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ـ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ ـ يعني حاجة ـ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ : لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ) .

وإذا كنت لست من أهل الغنى السابق ، بل أنت من أهل الحاجة ، ولست من أهل الثروة ، فأنت أعلم بنفسك ، تحل لك المسألة من أجل الحاجة والفاقة ، ولو ما شهد لك ثلاثة ما دمت تعلم أنك من أهل الفاقة ، وليس عندك شيء يقوم بحالك ، فلا مانع من أن تسأل ذوي الخير ومن تظن أنهم يستجيبون إما لإعطائك من الزكاة وإما مما أعطاهم الله من المال ، حتى تجد ما يغنيك ، ولا تلح ، بل تسأل ما يسد الحاجة ، ومتى حصل ما يسد الحاجة كففت عن السؤال إلى وقت آخر تحتاج فيه ، مع طلب العمل والجد في طلب العمل وطلب الرزق بالوسائل والطرق التي تستطيعها مما أباح الله عز وجل ، أما أن تبقى في عمل محرم لأنك فقير فليس لك ذلك " انتهى .

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

"فتاوى نور على الدرب" (3/1470 – 1473) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - فتاوى نور على الدرب