الجمعة 26 جمادى الآخرة 1446 - 27 ديسمبر 2024
العربية

عقد عليها ويشعر بعدم الارتياح فهل يطلقها

131271

تاريخ النشر : 23-03-2009

المشاهدات : 45409

السؤال

كنت قد سألتكم يوم الجمعة الماضي عن كيفية التصرف مع خطيبتي ، والتي قد كتبت عقد نكاحي عليها ، ولكنني لم أبن بها بعد . نحن خاطبين منذ ثلاثة أشهر تقريبا . هي عمرها عشرون عاما ولازالت طالبة في الثانوية العامة . أنا عمري 25 وفي مرحلة التخرج الآن . كنت حين تعرفت على الفتاة ورأيتها الرؤية الشرعية وجلست معها 3 مرات فقط ، بحضرة والديها وتحدثنا في أمور كثيرة تخص المستقبل . وقد وافقت عليها ، من بينها تعلم اللغة العربية ، وأمور الدين … وحين تقدمت لها كنت على دراية بضعف لغتها العربية حيث أنها عاشت وتربت هنا في الغرب ، ولم يكن لديهم أي إمكان أن يتعلموا اللغة مثلنا … هي تجيد قراءة القرآن بدون لحن جلي أو خفي وتحفظ الشيء اليسير من القرآن. حدثتها أنني سأعلمها وأخذت على عاتقي التغيير وهي أبدت استعدادا وحماسا منقطع النظير . لكن يا شيخ بعد كتابة الكتاب تغيرت الأمور ووهنت العزائم … يا شيخنا الفاضل أنا أعلم بطبيعة النفس البشرية وأعلم أن من عقيدتنا عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يقوى ويضعف وأعلم أن القلوب لها مواسم ... لكن الفتاة كلما بعثت لها محاضرات لا تستمع لها ... إلا للقليل منها ... حدثتها وطلبت منها أن نتعاون على قراءة كل يوم نصف جزء من القرآن ... تتحمس يومين أو ثلاثة وبعد ذلك تهون عزيمتها وتضعف ... إذا سألتها لماذا ؟ تقول لي ... شغلت بالدراسة وبالواجبات وكذا وكذا وكذا...! في الحقيقة الموضوع أرهقني ، وأصبحت أشعر بالخوف تجاهها وعدم الميول لها ... وخصوصا أنه يحدث كثيرا مشادّات بيني وبينها لأمور عادية جدا ... أشعر بفارق كبير بالتفكير بيني وبينها ... يعني لم نتناقش يوما بموضوع يخص مستقبلنا إلا وانتهى النقاش بيننا بزعل . هي سريعة البكاء وإذا قسوت عليها يوما ببعض الكلمات ، إن هي قصرت في سماع محاضرات أو قراءة قرآن تبكي ... حينها ألتزم الصمت ولا أدري ما أقول دار نقاش يوما بيني وبينها إلا أنها لم تفهم كل الكلام ، وذهبت لتسأل أمها عن بعض النقاش الذي دار بيني وبينها ... فاستغربت أمها من كلامي واتصلت بي وأخذت تهينني على التلفون بحجة أنها أخطأت أنها زوجتني ابنتها وأنها باعت ابنتها لي بالرخيص (والحق يقال : إن أهل الفتاة لم يأخذوا مني مهرا ... وحتى مؤخر الصداق قالوا لي إنهم سامحوني به ، ولولا عاداتهم وتقاليدهم ما كتبوه أصلا في العقد) لكن كانت كلمات الأم جارحة ... هي اتصلت بعد ذلك واعتذرت ، وأنا قد سامحتها لكنها كانت جارحة بإهانتي ، وأنا لم أخبر أهلي بهذا الموضوع لتجنب زيادة المشاكل. لقد بدأت أخاف جدا من هذا الارتباط ، والمشكلة أنني خائف أن أخبر أهلي بما يدور في خاطري لأنهم سيقولون لي : افسخ عقدك عليها ، ناهيك عن شماتتهم بي ؛ لأن الفتاة كانت من اختياري ولم تخترها أمي لي ... (المشكلة أيضا أن الفتاة تعلقت بي جدا ، وأهلها سهلوا لي أمور المهر وغيرها ، وإذا تركت الفتاة فسأجرحها وأهلها) لكن على النقيض ، إن الفتاة لم تكن بالمستوى الذي أطلب من العلم والفقه في الدين .أشعر لديها رغبة في التعلم ، لكني لا أرى منها أي مجهود مقنع ... أخاف إن فسخت عقد الكتاب ، أن أكون قد استعجلت التغيير ، وأكون قد ظلمت الفتاة وأهلها....لا أخفيكم سرا أنني لم أعد أشعر بأي ميول نحوها لكثرة مشادّاتنا ... لا أدري هل هو بسبب الضغط النفسي الذي أعانيه الآن بسبب مرحلة التخرج ، وكثرة الدراسة أم ماذا ... أنا في حيرة من أمري ... أفيدوني بارك الله فيكم .

الجواب

الحمد لله.

إن من الأمور المعلومة ما يلقيه الشيطان من الخواطر والوساوس والشكوك حتى يفرق بين المرء وزوجه كما جاء في صحيح مسلم (2813) عن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ قَالَ الْأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ فَيَلْتَزِمُهُ "

وأنت بمجرد عقدك على هذه المرأة ، صرت زوجاً لها ، ولا ينبغي للإنسان أن يحل عقد الزوجية لمجرد الشكوك ، بل لا يكون ذلك إلا لأمر يقيني ، متأكد .

ولا تعجب من عدم الوئام التام المطلوب ، فهذا أمر طبيعي ، لا سيما وأنك بعدُ لم تدخل بها ، ولا تدري لعلك إن تركتها أن لا تجد مثلها ، ولعلك إن كرهت منها اليوم خلقاً ، أن ترضى منها أخلاقاً أخر .

فأخشى ما نخشاه عليك أن تكون في حال رهبة وخوف من الارتباط المقبل مما يجعلك تستحضر في ذهنك الجوانب السلبية وتنسى الجوانب الحسنة الإيجابية ، فلذلك جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" رواه مسلم (1469) .

ونذكرك أن تمام الوئام المطلوب إنما يكون بعد الزواج فتجد أن المرأة إن سكنت بيت زوجها ووصلها خيره ، فإنها تنقاد معه أيسر مما كانت قبلُ ، وهذا أمر مجرب محسوس . فلذلك لا ينصح بتطويل مدة العقد ، وينصح بالإسراع والتعجيل بالزواج ، حتى لا تزيد المشاكل وتتكاثر .

والمرء تشتد همته لما منع منه ، ويشرئب قلبه له ، حتى يسيطر عليه الهم والغم ، فإن هو ظفر بما أراد ، ندّمته نفسه ، وضعفت همته ، وبدأ ينظر بالعين الأخرى ، حتى إن كثيرا منهم - بعد نيل المراد - يشتكي من ذلك ، حتى يبدأ بالوسواس : لعله سحر ، أو عين ، أو مس ، وقد رأينا من مثل هذا ما لا حصر له .

قال الإمام ابن القيم في "الجواب الكافي" (ص320) : " فإن كثيرا من الناس يزيد رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها لما يجد في نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها ، وكثير من الناس يزيده الإباء والامتناع زيادة حب كما قال الشاعر :

وزادني كلفاً في الحب أن منعت ... أحب شيء إلى الإنسان ما منعَ " انتهى .

وأما ما ذكرت من عدم قراءتها للقرآن بالقدر الذي تطلبه ، وعدم استماعها لأشرطة المحاضرات بالشكل المطلوب ، ثم محاسبتك لها على التفريط في ذلك ، بل وقسوتك عليها من أجل هذا !! فهذا أمر عجيب جدا ، لا سيما وأنها ما زالت في بيت أبيها ، وما زالت في طور الدراسة الثانوية ، صغيرة السن ، لا تتقن اللغة العربية جيدا … إلى آخره من المبررات الواضحة العذر .

فأنت تطالبها بالفضل وتعتب عليها فيه ! وقد كان الأولى بك في هذه المرحلة ، المطالبة بالعدل ، من غير عتب .

فالذي ننصحك به أن تبقي على زوجك ، ولا تتعجل في حل ما بينكما ، بل على العكس ، أغلق أبواب الوساوس والفرقة ، وعجل بإتمام زواجك ، ولعل الله أن يقر عينك بها ، لا سيما وهي لك محبة ، وفيك راغبة .

ولعلك أخي الكريم أن تستشير – من أهل التقى والعلم والحكمة – من يدرك بيئتك التي أنت فيها ومالها من تداخلات وتشعبات ، وعليك بالتوكل على الله والدعاء والإلحاح على الله ، والاستغفار في الأسحار .

نسأل الله أن يفرج همك ، وينفس كربك .

وأما بالنسبة لما قلت : من أنهم زوجوك من غير مهر ، فإن كنت تقصد أنهم زوجوك بمهر قليل فهذا خير والحمد لله ، وأما إن قصدت أنهم لم يأخذوا منك أي مهر قط ، فهذا أمر لا يجوز ؛ لأن الزواج بدون مهر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال الله تعالى (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) .

فيجب عليك أن تبذل لها مهراً وإن قل ، وللاستزادة يرجى مراجعة جواب السؤال رقم (112153) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب