الحمد لله.
القصة المذكورة رواه أبو نعيم الأصبهاني في " حلية الأولياء " (1/37) قال : حدثنا أحمد بن السندي ، ثنا الحسن بن علوية ، ثنا إسماعيل بن عيسى ، ثنا إسحاق بن بشر ، ثنا ابن سمعان ، عن محمد بن زيد ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة .
فذكر القصة كما وردت في السؤال .
وهذا إسناد ضعيف جدا ، بسبب إسحاق بن بشر ، وهو أبو حذيفة البخاري ، معروف بالرواية عن عبد الله بن زياد بن سمعان ، ويروي عنه تصانيفَه إسماعيل بن عيسى البغدادي ، كما في " المتفق والمفترق " (رقم/191) ، وإسحاق بن بشر هذا متروك متهم بالكذب عند جميع المحدثين ، انظر " ميزان الاعتدال " (1/!84) " للذهبي .
وأما مضمون هذا الأثر ونحوه من الآثار الضعيفة ، أو الموضوعة ، فأقل ما يقال فيه : أنه لا ينبغي قبوله وأخذه على ظاهره إلا إذا صح إسناده ، وشهد لمعناه بالاعتبار الأصول الثابتة ؛ فكيف بما فيه من نكارة لا تخفى ؛ ومعارضة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فمجرد محبة الثوب الحسن الجميل والإعجاب به : ليس من الذنوب التي تحتاج إلى تكفير ، ولا هو العجب والكبر المحرم في شيء .
روى مسلم في صحيحه (91) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ) .
قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ؟!
قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ؛ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ) .
فتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعب على المرء أن يحب الثوب الحسن ، ويختاره ، بل جعله من الجمال المحبوب ، وبين الكبر الحقيقي المانع من دخول الجنة .
ولقد يبدو لنا أن هذه الجملة المنكرة ، هي المراد الأول من وضع هذه القصة ، ولأجل ذلك احتاج واضعه أن يختمه بقول أبي بكر في آخره !!
فالقصة برمتها باطلة ، سندا ومعنى .
وأما ذم الكبر ، أو العجب ، أو ذم الانشغال بالدنيا ، والإسراف في المباحات ، فكل ذلك مقرر في النصوص الصحيحة ، لا يحتاج إلى مثل هذه المبالغات ، والقصص الواهية .
والله أعلم .
تعليق