الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

زوجها يرى عدم إرسال أولاده إلى المدارس لفسادها

السؤال

أنا في اختلاف دائماً مع زوجي ، وسبب ذلك : أنه لا يريد ترك الأولاد يذهبون إلى المدارس , ويقول : إن المدارس تفسد تربية الأولاد ، فما رأي حضرتكم من ناحية الدين ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً : 

الأولاد نعمة عظيمة مِن نعَم الله تعالى على عباده , وهي أمانة في عنق العبد يُسأل عنها يوم القيامة ، كما جاء في الحديث عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رواه البخاري (853) ومسلم (1829) .

ومن الواجب على الأب أن يحفظ أولاده من كل مكروه ، مادي ، أو معنوي , وأولى ما يجب حفظه هو دينهم ، واستقامتهم .

ثانياً :

الأصل في المسلم أن يوازن بين حسنات الشيء وسيئاته ، ويقارن بين السلبيات والإيجابيات ، ويغلب الجانب الأرجح .

ولا شك أن المدارس لها سلبياتها ، وإيجابياتها ، فالمدارس لها تأثير إيجابي ، وسلبي ، في تربية الأولاد ، وتنشئتهم ، ويشكوا كثير من الآباء والأمهات من سلبيات المدارس , وهذا واقع تعيشه أغلب الأسر الملتزمة , ولكن يستطيع المسلم أن يتغلب على تلك السلبيات بأمور عدة :

أ. الاستعانة بالله سبحانه وتعالى في حفظهم بالدعاء ، والتضرع إليه ، والدعاء سلاح عظيم في حفظ الأولاد ، وقد ذكر الله من دعاء الصالحين  : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان/ 74 .

مع توضيح أن صلاح الوالدين له دور كبير في صلاح الأولاد ، كما قال تعالى : (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنز لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) الكهف/ 82 .

قال ابن رجب رحمه الله :

"وقد يحفظُ الله العبدَ بصلاحه بعدَ موته في ذريَّته ، كما قيل في قوله تعالى : (وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحاً) : أنَّهما حُفِظا بصلاح أبيهما" انتهى .

"جامع العلوم والحِكَم" (ص 186) .

ب. أن يكون للوالدين دور في نشأة الأولاد ، وتربيتهم , وعدم الاقتصار على دور المدرسة ، فواجبٌ على الأب أن يصطحب أولاده إلى المسجد ، ويبعث بهم إلى حلقات تحفيظ القرآن ، ودروس العلم , وأن يغرس فيهم حب الدين ، وهكذا الحال أيضاً بالنسبة للأم في بيتها مع بناتها .

ج. أن يراقب الأولادَ مراقبة حثيثة ، ويتابعهم متابعة متواصلة في المدرسة ، مع المعلمين , ومع الطلبة ، مع النصح والتوجيه لأولاده بالرفق ، واللين ، ويجمع بين الترغيب والترهيب .

د. الاستعاضة عن المدارس الحكومية بالمدارس الإسلامية التي تهتم بالجانب الديني للطلبة , وأن يختار لذلك الأفضل ، والأحسن , وهي كثيرة - والحمد لله - ، وفي أغلب البلاد , فإن كان الأب لا يقدر ماديّاً على دفع رسوم تلك المدارس : فيمكنه البحث عن المدرسة الأحسن ، والأفضل من المدارس العامة ، بالسؤال ، والاستشارة .

هـ. الحرص على أن يكون للوالدين دور في اختيار الصحبة الصالحة في المدرسة ، وفي الحي ، وذلك بأن يكونوا – مثلاً - من زملاء المسجد ، أو حلقة تحفيظ القرآن ، أو الأقرباء الذين يوثق بهم .

و. أن يحرص الوالدان أن لا يكون هناك فجوة بينهم وبين أولادهم ، بحيث لو حصلت مشكلة مثلاً : سارع الأولاد إلى الوالدين لعرضها عليهم , وهذا معلوم بالتجربة .

والشاهد : أن مِن أعظم المسؤولية هي مسؤولية الأولاد ، وقد قال ابن القيم رحمه الله : " فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، وتركه سدى : فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء ، وإهمالهم لهم , وترك تعليمهم فرائض الدين ، وسننه ، فأضاعوهم صغاراً" انتهى .

"تحفة المودود" (ص 229) .

ثم بعد ذلك نبين أنه لو اضطر إنسان لإخراج أولاده من المدارس : فالأصل أن يجد لهم بديلاً مناسباً عن تلك المدارس لئلا يضيع أمرهم إلى لا شيء ، وخاصة أننا وجدنا من تورع عن المدارس فهجرها : ضاع أولاده ما بين التلفاز ، والشارع ، وغرقوا في الجهل ، وأكثروا من اللعب ، فلم يصنع شيئاً ، بل قد أثم بإيقاع الضرر عليهم .

ولذلك ، فإن النصيحة للأب أن لا يمنع أولاده من دخول المدارس النظامية ، وعليه أن يعمل على علاج سلبياتها ، بقدر ما يستطيع .

والنصيحة للأخت أن تستعين بالله ، وأن تلجأ إليه بالدعاء , وأن تحاور زوجها , وتناقشه ، باللين ، والحجة ، والبيان , وأن تستعين بأولي العقل والصلاح من أهلها ، أو أهله , والله هو الله المأمول أن يحفظنا ، وإياكم ، وذريتنا من كل سوء ، وشر .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب