الحمد لله.
قد يخترع بعض الناس قصة ، أو يزيد فيها وينقص إما جهلاً وإما هوى في نفسه ، ثم ينقلها عنه من يحسن الظن به ، ولا ينتبه إلى أنها مكذوبة أو قد زيد فيها .
قال ابن الجوزي رحمه الله في " تلبيس إبليس " ( ص 150 ) :
"والقُصَّاص لا يذمون من حيث هذا الاسم لأن الله عز وجل قال : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) وقال : (فَاقْصُصْ الْقَصَصَ) . وإنما ذم القصاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد ، ثم غالبهم يخلط فيما يورد وربما اعتمد على ما أكثره محال"
انتهى .
وقال الإمام أحمد رحمه الله :
"أكذب الناس القُصَّاص والسُّؤَّال" انتهى . "بدائع الفوائد" (4/871) .
وهذه القصة الوارد ذكرها في السؤال تنطوي على معانٍ باطلة ، فيريد من قص هذه القصة من المسلم ألا ينتقد النصراني .
وانتقاد المسلم للنصراني ، لبطلان دينه ، وتحريف كتابه ، وكذبه على الله أنه اتخذ صاحبةً وولداً : أمر واجب ، ولا يجوز لمسلم أن يعتقد خلاف هذا .
والبراءة من الكفر والكافرين من أصول الملة الحنيفية ، قال الله تعالى : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة/4 .
ونحن المسلمين نحب الخير للبشرية جميعاً ، ونحب لهم الهداية إلى الحق ، والاستقامة عليه ، وأن يكونوا مطيعين لله تعالى ، حتى يفوزوا بالحياة الطيبة في الدنيا ، والنعيم المقيم الأبدي في الآخرة ، ولا يمكنك دعوة غير المسلمين إلى هذا الحق إلا ببيان بطلان ما هم عليه من الدين.
فانتقاد ما عليه النصارى وغيرهم من الدين هو وسيلة لدعوتهم إلى الحق ، وليراجعوا أنفسهم ، فكيف يكون ذلك خطأً ويستحق من فعله أن يعاقبه الله تعالى ، والقرآن قد صرح في أكثر من موضع ببطلان ما عليه هؤلاء من الدين ، قال الله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة/72 ، 73 .
وعلى فرض صحة هذه القصة وأن هذا قد وقع بالفعل ، فيكون قد وقع بقدر الله تعالى ، من غير أن يترتب بعضه على بعض ، فمن أين عرف هذا أن الله ابتلى هذا المسلم بما ابتلاه به عقوبة له على انتقاده للنصراني ؟!
فهذا كما تقول : ذهب فلان إلى الصلاة وحدث عليه حادث سيارة ، فهل يعني هذا أن الله عاقبه بهذا الحادث على خروجه إلى الصلاة !
فهذا ـ إن سلمنا ـ وقوع هذا القصة فعلاً ، فيكون قد وقع اتفاقاً ، ويكون الله قد عاقبه بما ابتلاه به على معاصٍ لا نعلمها نحن ، أما انتقاد النصارى لبطلان دينهم ، فهذا مشروع ، وفيه مصلحة للنصارى أنفسهم .
والله أعلم
تعليق