الحمد لله.
عرض الله تعالى طاعته وفرائضه وحدوده على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت ، وإن ضيعت عوقبت ، فأبت حملها إشفاقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها ، وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوما جهولا .
هذا هو تفسير قول الله عز وجل : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) الأحزاب / 72 .
وتفسير الأمانة بالتكاليف الشرعية هو قول ابن عباس والحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وابن زيد وأكثر المفسرين .
راجع : "تفسير الطبري" (20 /336- 340) – "تفسير ابن كثير" (6 / 488-489) – "الجامع لأحكام القرآن" (14 /252- 253) – "فتح القدير" (4/437) .
قال قتادة : الأمانة : الدين والفرائض والحدود .
وقيل : بل عنى بالأمانة في هذا الموضع : أمانات الناس .
وقال بعضهم : الغسل من الجنابة .
وقال زيد بن أسلم : الأمانة ثلاثة : الصلاة ، والصوم ، والاغتسال من الجنابة .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها ، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف ، وقبول الأوامر والنواهي بشرطها ، وهو أنه إن قام بذلك أثيب ، وإن تركها عُوقِبَ ، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه ، إلا مَنْ وفق اللَّهُ " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (6 / 489) .
وقال الطبري رحمه الله :
" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين قالوا: إنه عُنِي بالأمانة في هذا الموضع: جميع معاني الأمانات في الدين وأمانات الناس وذلك أن الله لم يخص بقوله : (عَرَضْنَا الأمَانَةَ) بعض معاني الأمانات لما وصفنا" انتهى . "تفسير الطبري" (20 / 342) .
وقال القرطبي رحمه الله :
" الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور " انتهى .
"الجامع لأحكام القرآن" (14 / 252)
وقال السعدي رحمه الله :
" جميع ما أوجبه الله على عبده أمانة ، على العبد حفظها بالقيام التام بها ، وكذلك يدخل في ذلك أمانات الآدميين ، كأمانات الأموال والأسرار ونحوهما ، فعلى العبد مراعاة الأمرين ، وأداء الأمانتين ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 547) .
وقال الشنقيطي رحمه الله :
" ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه عرض الأمانة ، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب على السماوات والأرض والجبال ، وأنهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها ، أي : خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك عذاب الله وسخطه ، وهذا العرض والإباء والإشفاق كله حق ، وقد خلق الله للسماوات والأرض والجبال إدراكا يعلمه هو جل وعلا ، ونحن لا بعلمه ، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها ، وأبت وأشفقت ، أي : خافت " انتهى . "أضواء البيان" (36 / 139) .
والخلاصة :
أن الأمانة المذكورة في هذه الآية الكريمة ، والتي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملها الإنسان ، هي التكاليف الشرعية ، سواء في ذلك حقوق الله تعالى ، وحقوق عباده ، فمن أدى حق الله وحق عباده أثيب ، ومن فرط في حق الله وحق عباده استحق العقاب .
والله أعلم .
تعليق