الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

خرجت من بيت زوجها دون إذنه وطلبت الطلاق فطلقها ويريد منَّا نصحها

145826

تاريخ النشر : 26-02-2010

المشاهدات : 41147

السؤال

رُزقت بثلاث زوجات جميلات ، ولي منهن أولاد ، غير أن الزوجة الثالثة طلبت مني الطلاق مؤخراً ، وحجتها في ذلك حجة لا أساس لها من الشرع ، إنها تقول إنني لا أغضب لها عندما تتشاجر مع إحدى نسائي الأخريات ، أنا في ذلك أتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقصة عائشة رضي الله عنها عندما تشاجرت مع إحدى نسائه صلى الله عليه وسلم وكسرت الإناء قصة معروفة ، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم عالج ذلك الأمر بحكمة ولم يغضب لأيٍّ منهن ، قلت لها : إن الجميع زوجاتي ، وإن ما كان من خلاف بينهن فإنه يُحل ولا يمكنني أن أغضب لواحدة فقط لمجرد أنها تشاجرت مع ضرتها ، ولكنها تصر على الطلاق لا سيما بعد آخر حادث عندما كنت بعيداً عن البيت وتشاجرتْ مع إحداهن ، وقالت : إنها أهانتها وأرادت الدخول إلى غرفتها ، تدخل والدها في حل القضية ، وهو إمام المسجد في الحي ، ولكنها أصرت على موقفها ، وتدخل أخ آخر ، وكلاهما يرى أن لا حق لها في طلب الطلاق ، وجميع نسائي بما فيهن هذه يرين أنني أقوم بحقهن كزوج على أتم وجه ، ولكنها تقول إن ذلك ليس كافياً ، قمت بتحذيرها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أن من طلبت الطلاق دون سبب شرعي فإنها لا تشم رائحة الجنة ، ولكنها ما زالت متمسكة برأيها وتريد الطلاق ، عندما رأت أني رفضت الانصياع لرأيها تركت البيت وكبَّرت القضية وتدخلت أطراف أخرى وانتهى الأمر بأن طلقتها ، فهل من نصيحة لها ؟ لا سيما وأن لدي منها طفلين ولا أريدهما أن يكونا ضحية طلاق أُجبرت عليه ، ولا أساس له من العقل والشرع ، كما أني أكره أن يبقيا بعيداً عني . وجزاكم الله خيراً على نصحكم .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

قد أحسنتَ في معاملتك لزوجاتك وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعلك هذا يستحق الثناء والإشادة ، ولا تجعل مما حصل مع زوجتك الثالثة سبباً لتغيير تلك المعاملة ، وتلك الأخلاق النبيلة ، فنحن أحوج ما نكون لمعددين قدوات نقدمهم للناس ليروا فيهم القدوة الحسنة المتبعة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد تكون تعجلت في طلاق زوجتك ، وقد كنت في سعة من أمرك أن تفعل ذلك ، فالمرأة معروفة عند الغضب أنها تسارع بالتلفظ بطلب الطلاق ، ولم يجعل الله تعالى الطلاق بيد الزوج إلا وهو يعلم – سبحانه - مَن خلق وما يصلح لهم من أحكام ، ولو جُعل الطلاق بيد النساء لرأيت الأسَر مفرقة والبيوت مهدمة .

أمَا وقد حصل منك ذلك فلتبادر إلى إرجاعها قبل انتهاء عدتها ، ولا يشترط وجودها في بيتك ، كما لا يشترط رضاها في الرجعة ، قال تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا) البقرة/228 .

وانظر – في كيفية الرجعة – جواب السؤال رقم ( 11798 ) .

ثانياً :

أما الزوجة التي أصرَّت على الطلاق فنقول لها :

1. لا ينبغي للمرأة أن تبادر بطلب الطلاق عند حصول أدنى مشكلة ، بل عليها أن تعالج الأمور بالصبر والحكمة والتفاهم ، وإذا طلبت المرأة الطلاق من غير سبب مقبول فقد جاء في حقها هذا الوعيد الشديد :

عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) رواه الترمذي ( 1187 ) وأبو داود ( 2226 ) وابن ماجه ( 2055 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

2. وقد أخطأتِ في الخروج من المنزل دون إذن زوجك ودون رضاه .

وقد بوَّب البخاري رحمه الله في صحيحه قوله : " باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره " وروى حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أًَحَدِكُم إِلَى المَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير , فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه ، سواء أمرها أبوها ، أو أمها ، أو غير أبويها ، باتفاق الأئمة .

" الفتاوى الكبرى " ( 3 / 148 ) .

وقال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله :

ويحرم خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه إلا لضرورة ، أو واجب شرعي .

" الآداب الشرعيَّة " ( 3 / 375 ) .

3. وحتى مع وقوع الطلاق الرجعي يجب على الزوجة أن تعتد في بيت زوجها ، فليس لها أن تخرج بإرادتها ، وليس لزوجها أن يخرجها ، والحكمة في ذلك معروفة ، فلعلَّ الله أن يرقق القلوب ، ويزيل الإشكالات ، فترجع الزوجة لعصمة زوجها ، كما أن في خروجها فتح الباب لأهل الشر والسوء لإذكاء نار الفتنة والوقيعة بين الزوجين .

قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) الطلاق/ 1 .

4. واعلمي أن الطلاق مكروه في الشرع ، ولا يحبه الله ، بل هو مما يعجب الشيطان ويفرح به ، لما في تلك الفرقة من آثار سيئة على الفرد والأسرة والمجتمع .

فعن جابر رضي اللهُ عنه : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّمَ : ( إِنَّ إبليسَ يضعُ عرشَهُ على الماءِ ، ثُمَّ يَبْعَثُ سراياهُ ، فَأَدناهُم مِنهُ مَنزِلَةً : أَعظَمُهُم فِتنَةً ، يَجِيءُ أَحَدُهُم فَيقُولُ : فعلتُ كَذَا وَكَذا ، فيقولُ : مَا صَنَعتَ شَيئًا ، قالَ : ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهم فَيقُولُ : مَا تَركتُهُ حتّى فَرَّقتُ بَينَه وَبَينَ امرَأَتِهِ ، قالَ : فَيُدنِيهِ مِنهُ ، ويقولُ : نِعْمَ أنتَ ، فَيَلتَزِمُهُ ) رواه مسلم ( 2813 ) .

قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله :

فالشيطان وحزبه قد أُغرُوا بإيقاع الطلاق ، والتفريق بين الرجلِ وزوجتِه ، والطلاق إنَّما أجازته الشريعةُ للحاجة ، ومعلومٌ أنّ الحاجةَ تُقَدَّرُ بقدرِها .

" إغاثة اللهفان " ( 1 / 208 ) .

5. والمرأة بطلاقها قد تفقد النعمة التي كانت فيها ، وتنتقل إلى شيء من البؤس والشقاء ، فالزوجة في بيت زوجها ملكة ، يأتيها رزقها رغداً ، من غير تعب ولا نصب ، وهي آمنة مطمئنة ، فإذا ما طلقت فإنها قد تصير خادمة في عند أشقائها ، وقد تصبح ذليلة عند زوجة والدها ، كما أنها قد تشقى وتتعب لتحصيل لقمة عيشها ، فلتقارني بين حال الزوجة معززة مكرمة في بيت زوجها وبين حال كثيرات ممن فقدن هذه النعمة .

6. والمرأة التي تطلب الطلاق من زوجها من غير سبب مقنع ينظر إليها المجتمع نظرة سيئة ، ويعرض عنها الأزواج في الغالب خشية تكرار الأمر معهم ، بخلاف المرأة التي تطلب الطلاق لسوء خلق زوجها ، ولقلة دينه : تكون محط إعجاب من العقلاء ، ومحل احترام من أهلها وأقربائها ، وتكون فرصة تزوجها من آخر كبيرة .

7. والطلاق لابد أن يكون له أثره الشيء على الأطفال فإن تربيتهم المستقيمة لا تكون في الغالب إلا بتعاون الأب والأم على تربيتهما .

وأخيراً ... فقد وهبك الله نعماً جليلة ، زوجاً يحبك ويرغب في وجودك في حياته ، وطفلين في عمر الزهور بحاجة لأبيهم مع أمهم ، وبيتاً تستقرين فيه ، وحياة هنيئة لا تشقين فيها ، فلا تضيعي كل تلك النعَم بسورة غضب ، فيضيع عليك خير عظيم ، وقد يقع منك الندم في وقت لا تستطيعين فيه تحصيل ما فاتك من تلك النعَم ، فلا تكوني كالتي نقضت غزلها بعد أن تعبت في غزله.

ونسأل الله تعالى أن يصلح قلبك ، ويهديك لما في الخير لدينك ودنياك ، وأن يجمع بينك وبين زوجك على خير .

والله الموفق

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب