الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل تحريم اختلاط الرجال بالنساء من فعل المتشددين من الفقهاء المتأخرين؟

145916

تاريخ النشر : 03-06-2010

المشاهدات : 72000

السؤال

تردد كثيرا في الآونة الأخيرة ما مفاده أن (الاختلاط) بين الجنسين لفظ قديم دارج في كتب السلف ، ولكنه لم يستخدم كمصطلح فقهي له أحكامه ، وإنما كان هذا من فعل المتشددين من الفقهاء المتأخرين . السؤال : كيف يتجلى الفرق بين اللفظ والمصطلح؟ وهل يصح استحداث المصطلحات في القاموس الفقهي إذا استدعت الضرورة ؟

الجواب

الحمد لله.

لفظ "الاختلاط" لفظ معروف في اللغة العربية ، وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية .

أما القرآن الكريم فقد قال الله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) الأنعام/146 .

فالشحم المختلط بالعظام استثناه الله من تحريم الشحوم على اليهود .

وأما السنة النبوية ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم : (وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ) رواه البخاري (2487) .

والخليطان هم الشريكان ، لأن رأس مالهما قد اختلط .

فهذه من شواهد وجود اللفظ في اللغة  العربية ، بمعنى الاختلاط بين شيئين مختلفين .

وأما استعمال العرب هذا اللفظ فهو كثير ، ومن ذلك قولهم : اختلط القوم بعضهم ببعض ، واختلطت الغنم بعضها ببعض .

وانظر : "لسان العرب" (1/1229 – 1232) .

ومن الأمثال العربية المعروفة : "اختلط الحابل بالنابل" .

والحابل هو من يصيد بالشبكة ، والنابل هو من يصيد بالنبل ، وإذا اجتمع الاثنان للصيد في مكان واحد ، فلن يظفر أحد منهما بصيد ، لأن كلاً منهما سيعطل الآخر .

وهذا المثل يُضرب للفوضى واضطراب الأمور .

وأما الاختلاط بين الناس ، فقد ورد استعماله فيما رواه ابن ماجه (4032) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه .

بل ورد اللفظ بالمعنى المقصود في كلام العلماء : اختلاط الرجال بالنساء ، في حديث رواه أبو داود (5272) عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ : (اسْتَأْخِرْنَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ) فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ . وحسّنه الألباني .

فقد عَبَّر أبو أسيد رضي الله عنه باختلاط الرجال مع النساء في الطريق ، وهو دليلٌ على أنّه استعمالٌ معروفٌ من زمان الصحابة رضي الله عنهم .

ويدل ـ أيضاً ـ على أن اختلاط الرجال بالنساء لما وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، ولم يُقَّره ، وشرع من الأحكام ما يمنع هذا الاختلاط ، حتى في الطريق .

إذاً فليس منع اختلاط الرجال بالنساء من فعل المتشددين من الفقهاء المتأخرين ، وإنما هو تشريع رباني ، بَيَّنه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله تعالى : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44 .

وإذا مُنِعَ الاختلاط في الطريق مع كونه عابرًا عارضًا فمنعه في المجالس، وأماكن العمل والتعليم ووسائل المواصلات أولى . قال ابن حجر رحمه الله معلّقًا على حديث أم سلمة في انصراف النساء قبل الرجال من المسجد : "وَفِيهِ اِجْتِنَاب مَوَاضِع التُّهَم ، وَكَرَاهَة مُخَالَطَة الرِّجَال لِلنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَات فَضْلًا عَنْ الْبُيُوت" انتهى من "فتح الباري" (2/336) .

وقد استعمل فقهاؤنا السابقون هذا اللفظ "الاختلاط" بما يدل عليه في اللغة العربية ، ولم يخرجوا به عن معناه ، ونصوا على تحريم اختلاط الرجال بالنساء ، وأن ذلك من المنكرات ، وفهموا هذا الحكم من مجموعة أدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، ومقاصد الشريعة وقواعدها .

وقد سبق بيان شيء من الأدلة الدالة على ذلك في جواب السؤال رقم (1200) .

وننقل هنا بعض أقوال علماء الإسلام من شتى المذاهب الإسلامية ، في منع اختلاط الرجال بالنساء ، ليُعلم أنّ القول بمنع هذا الاختلاط ليس مبنيًا على أعراف بعض الأقطار ، أو عادات جارية في بعض الأعصار ، أو فهمٍ شخصيٍّ لبعض النصوص الشرعية ، بل هو مذهب علماء الأمة عامّة ، وذكرنا بعد كل عالم بلده وتاريخ وفاته ، ليتبين للقارئ تفاوت أزمانهم ، واختلاف أقطارهم ، ومع ذلك فقد اتفقوا على هذا الحكم ، وهو منع اختلاط الرجال بالنساء .

المذهب الحنفي :

قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله (من مدينة سرخس بفارس "إيران اليوم" ت: 483هـ) : "وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ وَالرِّجَالَ عَلَى حِدَةٍ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَزْدَحِمُونَ فِي مَجْلِسِهِ ، وَفِي اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ الزَّحْمَةِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالْقُبْحِ مَا لَا يَخْفَى " انتهى من "المبسوط" (16/8) .

وقال بدر الدين العيني رحمه الله (أصله من حلب ، وسكن القاهرة ، ت : 855هـ) في شرحه على البخاري : في التعليق على قول البخاري (باب حمل الرجال الجنازة دون النساء) قال : "لأن الرجال أقوى لذلك والنساء ضعيفات ومظنة للانكشاف غالبا خصوصا إذا باشرن الحمل ، ولأنهن إذا حملنها مع وجود الرجال لوقع اختلاطهن بالرجال ، وهو محل الفتنة ومظنة الفساد" انتهى من "عمدة القاري" (8/111) .

وقال ابن عابدين الدمشقي رحمه الله (ت: 1252هـ) في حاشيته : "وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ : الْخُرُوجُ لِفُرْجَةِ قُدُومِ أَمِيرٍ ، أَيْ لِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ ، وَمِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" انتهى من "حاشية ابن عابدين" (6/355) .

المذهب المالكي :

قال ابن أبي زيد القيرواني: "وَلْتُجِبْ إذَا دُعِيت إلَى وَلِيمَةِ الْمُعْرِسِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَهْوٌ مَشْهُورٌ وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ" "الرسالة مع شرح النفراوي" (2/322) . قال النفراوي (من نفرى بمصر ت : 1126هـ) في شرحه "الفواكه الدواني": "وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ أَيْ : مَشْهُورٌ ظَاهِرٌ ، كَاخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ" انتهى .

وذكر الصاوي (مصري ت: 1241هـ) من مبطلات الوصية: "أَنْ يُوصِيَ بِإِقَامَةِ مَوْلِدٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالنَّظَرِ لِلْمُحَرَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرِ" انتهى من "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (4/585) ، ومثله في "حاشية الدسوقي" (4/427) .

وفي "مختصر خليل مع شرحه منح الجليل" لعليش (8/308) (من طرابلس المغرب وسكن القاهرة ت: 1299هـ) : "وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُفْرِدَ يَوْمًا مُعَيَّنًا مِنْ الْأُسْبُوعِ أَوْ وَقْتًا مُعَيَّنًا مِنْ الْيَوْمِ لِقَضَاءٍ بَيْنَ النِّسَاءِ سَتْرًا لَهُنَّ وَحِفْظًا مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ فِي مَجْلِسِهِ .......

وقال أَشْهَبُ (مصري ت:204هـ) "أَرَى أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّسَاءِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بِالرِّجَالِ ...... ، وَلَا يُقَدِّمُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ مُخْتَلِطِينَ ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا مَعْلُومًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَلَ" انتهى .

المذهب الشافعي :

قال أبو إسحاق الشيرازي (من مدينة شيراز بإيران ت: 476هـ) :"وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ [يعني : صلاة الجمعة] لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إلَّا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَرِيضٍ) وَلِأَنَّهَا تَخْتَلِطُ بِالرَّجُلِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ " انتهى من "المهذب مع المجموع" (4/350) .

وقال ابن حجر الهيتمي (مصري ت:974هـ) بعد نقل كلام الشيرازي : "فتأمله تجده صريحا في حرمة الاختلاط ، وهو كذلك ، لأنه مظنة الفتنة" انتهى من "الفتاوى الفقهية لابن حجر" (1/203) .

وقال ابن حجر العسقلاني (أصله من عسقلان بفلسطين وعاش بالقاهرة ت : 852هـ) في شرحه لصحيح البخاري في "بَاب حَمْل الرِّجَال الْجِنَازَة دُون النِّسَاء" : "وَنَقَلَ النَّوَوِيّ فِي "شَرْح الْمُهَذَّب" أَنَّهُ لَا خِلَاف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة بَيْن الْعُلَمَاء ، وَالسَّبَب فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ، وَلِأَنَّ الْجِنَازَة لَا بُدّ أَنْ يُشَيِّعهَا الرِّجَال فَلَوْ حَمَلَهَا النِّسَاء لَكَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَة إِلَى اِخْتِلَاطهنَّ بِالرِّجَالِ فَيُفْضِي إِلَى الْفِتْنَة" انتهى من "فتح الباري" (3/182) .

المذهب الحنبلي :

قال ابن الجوزي (بغدادي ت: 597هـ) : "فأما ما أحدث القصاص من جمع النساء والرجال فإنه من البدع التي تجري فيها العجائب من اختلاط النساء بالرجال ورفع النساء أصواتهن بالصياح والنواح إلى غير ذلك" انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/776) .

وقال ابن قدامة (شامي  ت : 620هـ) : "إذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَثْبُتَ هُوَ وَالرِّجَالُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُنَّ قَدْ انْصَرَفْنَ ، وَيَقُمْنَ هُنَّ عَقِيبَ تَسْلِيمِهِ . قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : (إنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إذَا سَلَّمَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ) قَالَ الزُّهْرِيُّ فَنَرَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، لِكَيْ يَبْعُدَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ" انتهى من "المغني" (1/328) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (حراني سكن دمشق ومصر ت : 728هـ) : "وأما ما يفعل في هذه المواسم مما جنسه منهي عنه في الشرع ، فهذا لا يحتاج إلى ذكره ؛ لأن ذلك لا يحتاج أن يدخل في هذا الباب مثل : رفع الأصوات في المساجد ، واختلاط الرجال والنساء ، أو كثرة إيقاد المصابيح زيادة على الحاجة ، أو إيذاء المصلين أو غيرهم بقول أو فعل ، فإن قبح هذا ظاهر لكل مسلم" انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (صـ 145) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا : " لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم ، متميزة عن دور المتأهلين ؛ فلا ينزل العزب بين المتأهلين ، وهذا كله لأن اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة ؛ فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب ، وكذلك العزب بين الآهلين فيه فتنة ، لعدم ما يمنعه ؛ فإن الفتنة تكون لوجود المقتضى وعدم المانع .. " انتهى من "الاستقامة" (1/361) .

وقال ابن القيم (دمشقي ت :751هـ) : "فَصْلٌ : وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ اخْتِلَاطَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَالْفُرَجِ ، وَمَجَامِعِ الرِّجَالِ .....

وَقَدْ مَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه النِّسَاءَ مِنْ الْمَشْيِ فِي طَرِيقِ الرِّجَالِ ، وَالِاخْتِلَاطِ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ . فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ .......

وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَمْكِينَ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ : أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ ، وَاخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ ، وَالطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ ......

فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ : كَثْرَةُ الزِّنَا ، بِسَبَبِ تَمْكِينِ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ ، وَالْمَشْيِ بَيْنَهُمْ مُتَبَرِّجَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ ، وَلَوْ عَلِمَ أَوْلِيَاءُ الْأَمْرِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الدُّنْيَا وَالرَّعِيَّةِ - قَبْلَ الدِّينِ لَكَانُوا أَشَدَّ شَيْءٍ مَنْعًا لِذَلِكَ" انتهى من "الطرق الحكمية" (صـ 237) .

وقال ابن رجب (بغدادي سكن دمشق ت : 795هـ) : "وإنما المشروع تميز النساء عَن الرجال جملة ؛ فإن اختلاطهن بالرجال يخشى منهُ وقوع المفاسد" انتهى من "فتح الباري" (2/134) .

وقال الحجاوي (شامي ت : 968هـ) في الإقناع : "وَيُمْنَعُ فِيهِ  [أي في المسجد] اخْتِلَاطُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، قال البهوتي في شرحه : "لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ" انتهى من " كشاف القناع" (2/367) .

علماء آخرون من السابقين والمعاصرين :

قال الشوكاني (يمني ت : 1250هـ) في شرح حديث أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَهُوَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ) : قال : "الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمَأْمُومِينَ وَالِاحْتِيَاطُ فِي اجْتِنَابِ مَا قَدْ يَقْضِي إلَى الْمَحْذُورِ ، وَاجْتِنَابُ مَوَاقِعِ التُّهَمِ ، وَكَرَاهَةُ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَاتِ فَضْلًا  عَنْ الْبُيُوتِ" انتهى من "نيل الأوطار" (2/364) .

وقال أيضاً : "قَوْله : (وَخَيْرُ صُفُوف النِّسَاء آخِرُهَا) إنَّمَا كَانَ خَيْرهَا لِمَا فِي الْوُقُوف فِيهِ مِنْ الْبُعْد عَنْ مُخَالَطَة الرِّجَال" انتهى من "نيل الأوطار" (3/219) .

وقال الأستاذ حسن البنا (مصري ت : 1368هـ) : "كل هذه الآثار السيئة التي تترتب على الاختلاط تربو ألف مرة على ما يُنتظر منه من فوائد" انتهى من "المرأة المسلمة" (صـ11) .

وقال الشيخ محمد الخضر حسين (تونسي ت : 1377هـ تولى مشيخة الأزهر الشريف بمصر) : ".. وتحريم الدين لاختلاط الجنسين على النحو الذي يقع في الجامعة معروف لدى عامة المسلمين ، كما عرفه الخاصة من علمائهم، وأدلة المنع واردة في الكتاب والسنّة وسيرة السلف الذين عرفوا لباب الدين، وكانوا على بصيرة من حكمته السامية... والأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن اختلاط المرأة بغير محرم لها تدل بكثرتها على أن مقتَ الشريعة الغرَّاء لهذا الاختلاط شديد .." انتهى من "مجلة الهداية الإسلامية" ج 6 من المجلد الثالث عشر .

وقال الدكتور مصطفى السباعي (شامي ت : 1384هـ) : "لا يجيز الإسلام أن تختلط المرأة بالرجال في الحفلات العامَّة أو المنتديات ولو كانت محتشمة ... ولهذا كله يتشدد الإسلام في منع اختلاط النساء بالرجال ، وقد قامت حضارته الزاهرة التي فاقت كل الحضارات في إنسانيتها ونبلها على الفصل بين الجنسين ، ولم يُؤَثِّر هذا الفصل على تقدّم الأمة المسلمة وقيامها بدورها الحضاري الخالد في التاريخ" انتهى من "المرأة بين الفقه والقانون" (صـ 125 – 126) .

وقال الشيخ سيد سابق (مصري ت : 1420هـ) : "يستحسن شرعا إعلان الزواج ، ليخرج بذلك عن نكاح السر المنهي عنه ، وإظهارا للفرح بما أحل الله من الطيبات والإعلان يكون بما جرت به العادة ، ودرج عليه عرف كل جماعة ، بشرط ألا يصحبه محظور نهى الشارع عنه كشرب الخمر ، أو اختلاط الرجال بالنساء ، ونحو ذلك" انتهىمن "فقه السنة" (2/231).

وقال الشيخ على الطنطاوي (سوري ت : 1420هـ) : "هذا هو باب الشهوات وهو أخطر الأبواب . عرف ذلك خصوم الإسلام فاستغلوه ، وأول هذا الطريق هو الاختلاط .." انتهى من "ذكريات علي الطنطاوي" (5/268) .

وقال الشيخ محمد متولي الشعراوي (مصري ت : 1420هـ) : "مسألة الاختلاط بين الفتاة والشباب ليست منطقية ولا طبيعية ، وقد سبق أن عالجت هذا الأمر حينما تكلمت عن قصة موسى مع شعيب ، وقلت : إن خروج الفتاة إلى عمل في غير مجال أسرتها ، أمر تحدده الضرورة المحضة ... ولا تجعل هذه الضرورة تبيح لها أن تختلط بالشباب ما شاء لها الاختلاط" انتهى من "الفتاوى للشعراوي" (5/12) .

وقال الشيخ عطية صقر (مصري تولى رئاسة لجنة الفتوى بالأزهر ت : 1427هـ) : "وأما كون الرأي وهو عدم اختلاط الرجال بالنساء إلا في أضيق الحدود ، مقبولا فإن الواقع يشهد له ، والأدلة في القرآن والسنة بعمومها تؤيده" انتهى من "أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام " (5/143)

ولمزيد الفائدة والتوسع في ذكر الأدلة وأقوال العلماء يراجع كتاب : "الاختلاط بين الجنسين في ضوء الكتاب والسنة" لعامر بن محمد بن فداء بهجت .

وبهذا يتبين أن القول بمنع اختلاط الرجال بالنساء هو ما دل عليه الكتاب والسنة ، وهو ما عليه عامة العلماء ، من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا .

ولم نذكر في جوابنا هذا شيئاً من أقوال علماء هيئة كبار العلماء ، أو اللجنة الدائمة للإفتاء ، أو غيرهم من علماء بلاد الحرمين الشريفين ، لشهرة أقوالهم في ذلك ، وقد سبق أن نقلنا بعضها في كثير من الأجوبة .

نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ، وأن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة