الحمد لله.
ليس من شك في أن تفهم كل من الزوجين لطبيعة الآخر ، وخلفيته الثقافية والاجتماعية ، هو من الأمور المهمة في نجاح الزواج ، ودوام العشرة بينهما ، وهذا كله بالطبع بعد أن يكون الدين هو الأساس الأول في الاختيار والقبول ، ومن الأمور المساعدة على تقارب وجهات النظر ، وسهولة التفاهم في الحياة : أن يكون الزوجان من جنسية واحدة ، ولغة واحدة ، بل ومن إقليم واحد في نفس البلد ، متى كان ذلك ممكنا .
وليس معنى ذلك أن كل زواج اختلت فيه شروط التوافق في الجنسية واللغة ، والخلفيات الثقافية والاجتماعية مقضي عليه بالفشل ؛ لا ، بل هناك زواجات كثيرة كتب لها النجاح ، مع اختلاف ذلك كله ؛ لكننا أردنا بذلك التنبيه على أن ممانعة ولي المرأة لدخول موليته ، بنته أو غيرها ، في زواج من هذا النوع ليس تعنتا محضا ، وليس انغلاقا في التفكير ، بل هو بعد نظر ، تؤيده كثير من التجارب الواقعية !!
على أية حال ؛ فالذي نراه لك أن تحاولي أنت الاتصال بزوجك ، ومعرفة ما الذي غيره من ناحيتك ، ولماذا هجر فراشك هكذا ؛ فإن بدا لك أن عاتب عليك في شيء ما ، فاجتهدي أن تزيلي ما يصرفه عنك ، ويزهده فيك ، قدر استطاعتك .
فإن لم تفد هذه المحاولة ، فحاولي أن توسطي بينكما بعد الثقات ، من أهل النصيحة والأمانة والديانة ، سواء كان صديقا ، أو قريبا ، أو إماما للمسجد ، أو مديرا للمركز الإسلامي ، أو نحو ذلك ، ونرجو ألا تعدمي حولك من الناصحين من يشاركونك معاناتك ، ويجتهدوا في أن يعرفوا زوجك تقصيره في حقك ، وأنه لا يحل له أن يهجرك كل هذه المدة ، وأن أهم أسس الحياة الزوجية : المودة والسكن ، والعشرة بالمعروف .
وينبغي أن تستغلي علاقتك الطيبة بأهل زوجك ، فنحن نعتقد أن هذا ـ بعد عون الله لك ، وفضله عليك ـ من أقوى أسلحتك ، وأفضل أوراقك في مواجهة هذه المحنة ، لكي يتدخلوا بجد للإصلاح بينكما ، والمحافظة على بيت ابنهم وأسرته ، والضغط عليه بكل سبيل لإصلاح الخلل القائم في حياته الزوجية .
فإذا لم تفلح هذه المحاولات مع زوجك ، فعرفي أهلك بواقع أمرك ، ولا شك أن ذلك سوف يؤلمهم كثيرا ، وسوف ينغص عليهم عيشهم ، لكن سوف يؤلمهم أكثر أن يفاجئوا بك عندهم وقد فقدت زوجك ، من غير مقدمات يعرفونها ، وصرت عندهم مطلقة .
فإن أمكن لأهلك أن يجدوا سبيلا للإصلاح ، وأن يتعاونوا مع أهل زوجك في تجاوز هذه المحنة ، فبها ونعمت ، والحمد لله ، وإن لم تفد هذه السبيل أيضا ، فأنت أبصر بشأنك ، فإن شق عليك أن تصبري على هذه الحال ، وهو الأمر المتوقع من شابة صغيرة السن مثلك ، لم تأخذ حظها من الحياة الزوجية المستقيمة ، فلك أن تسعي في فراق زوجك ؛ إما بطلب الطلاق ، أو الخلع منه ؛ ولعل الله أن يعوضك خيرا منه ، وأن ييسر لك سبل الهدى والتقى ، والعفاف والغنى ؛ وقد قال الله عز وجل ، في شأن الزوجين اللذين تصعب العشرة بينهما ، ولا يمكنهما الاستمرار في الحياة الزوجية : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ) النساء/130 .
وما دمت لا تريدين الطلاق ، وهذا أمر محمود لك ، ولا ترغبين في البحث عن زواج آخر ، فلا تيأسي من تكرار محاولات الإصلاح ، وربما تهتدين إلى وسائل أخرى لاستعادة زوجك الشارد ، من تواصل معه ، وتحبب إليه ، ومخاطبة لقلبه وعواطفه الزوجية تجاهك ، والأبوية تجاه ابنته ؛ واصبري ؛ إن الله مع الصابرين .
روى البخاري (1376) ومسلم (1745) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ... وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ؛ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ ) .
نسأل الله أن ييسر لك أمرك ، ويكشف همك وغمك ، ويصلح لك زوجك .
والله أعلم .
تعليق