الحمد لله.
الأصل في التسبيح والأذكار المطلوبة أدبار الصلوات أن تكون عقب الصلاة المكتوبة ، وليس عقب السنة البعدية ، لأن هذا ما تدل عليه ظواهر الأحاديث الشريفة الواردة في هذا الباب ، ومن أصرحها حديث ثوبان رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) رواه مسلم (591)
وكذلك حديث كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ - أَوْ فَاعِلُهُنَّ - دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ : ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً ، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً ، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً )
رواه مسلم (596)
يقول الشيخ الألباني رحمه الله :
" ( معقِّبات ) أي : كلمات تقال عقب الصلاة ، والمعقب ما جاء عقب قبله . والحديث نص على أن هذا الذكر إنما يقال عقب الفريضة مباشرة ، ومثله ما قبله من الأوراد وغيرها ، سواء كانت الفريضة لها سنة بعدية أو لا ، ومن قال من المذاهب بجعل ذلك عقب السنة فهو مع كونه لا نص لديه بذلك ، فإنه مخالف لهذا الحديث و أمثاله مما هو نص في المسألة " انتهى.
" السلسلة الصحيحة " (رقم/102)
وذلك لا يعني نفي الأجر عن الذي يؤخر الأذكار بعد السنة البعدية ، بل هو مأجور إن شاء الله ، إلا أن الأولى هو الالتزام بظاهر السنة في هذا الشأن لتحصيل الأجر الكامل .
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" لا يفوت – أي أجر الذكر - بفعل الراتبة ، وإنما الفائت بها كماله لا غير " انتهى.
" تحفة المحتاج " (2/105-106)
وعلق على كلام ابن حجر في " حاشية العبادي " بقوله :
" قوله : ( بفعل الراتبة ) ظاهره وإن طوَّلها ، وفيه نظر إذا فحش التطويل بحيث صار لا يصدق على الذكر أنه بعد الصلاة . وقد يقال : وقوعه بعد توابعها وإن طالت لا يخرجه عن كونه بعدها فليتأمل . قوله : ( وإنما الفائت ) يفيد أن الأفضل تقديم الذكر والدعاء على الراتبة " انتهى.
وجاء في "حاشية قليوبي وعميرة " (1/198) :
" والذكر بعدها – يعني الصلاة المفروضة - أي : عقبها ، فيفوت بطول الفصل عرفا ، وبالراتبة.
وقال ابن حجر : لا يفوت الذكر بطول الفصل ، ولا بالراتبة , وإنما الفائت كماله فقط ، وهو ظاهر حيث لم يحصل طول عرفا ، بحيث لا ينسب إليها " انتهى باختصار.
ثم إن في إتباع الفريضة بالذكر تحقيقا لسنة أخرى ، وهي الفصل بين الفريضة والراتبة ، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال : ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ ) رواه مسلم (883)
يقول ابن باز رحمه الله :
" يدل على أن المسلم إذا صلى الجمعة أو غيرها من الفرائض فإنه ليس له أن يصلها بصلاة حتى يتكلم أو يخرج من المسجد ، والتكلم يكون بما شرع الله من الأذكار كقوله : أستغفر الله . أستغفر الله . أستغفر الله . اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، حين يسلم ، وما شرع الله بعد ذلك من أنواع الذكر ، وبهذا يتضح انفصاله عن الصلاة بالكلية حتى لا يظن أن هذه الصلاة جزء من هذه الصلاة " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (12/335)
والله أعلم .
تعليق