الحمد لله.
القرض من عقود الإحسان والتبرع ، ولا يجوز اشتراط منفعة للمقرض أو التواطؤ على حصول منفعة له ، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا .
وما سألت عنه يتضمن أمرين :
الأول : قيامك بالشراء له ، فإن كان هذا لا يكلّفك شيئا ، أو جرت العادة قبل الاقتراض أن تشتري له ، فلا حرج حينئذ ، وأما إن كان ذلك يقتضي كلفة ويستوجب عادة أجرة على القيام به ، ولم تجر العادة بينكما بفعل ذلك قبل الاقتراض منه ، فلا يجوز أن تفعله مجانا ؛ لأنه سيكون نفعا مترتبا على القرض وهو ربا كما سبق .
قال في زاد المستقنع : "وإن تبرع لمقرضه قبل وفائه بشيء لم تجر عادته به ، لم يجز ، إلا أن ينوي [أي المقرض] مكافأته [أي رد مثله] أو احتسابه من دَينْه" .
والثاني : أنك تريد أن تتبرع له بالمبلغ الزائد عن الدين الذي عليك ، فهذا التبرع لا حرج فيه إن كان غير مشترط في القرض ، ويدل عليه ما رواه البخاري (2393) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنْ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْطُوهُ ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلا سِنًّا فَوْقَهَا ، فَقَالَ : (أَعْطُوهُ ، إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) .
قال ابن قدامة رحمه الله : " فإن أقرضه مطلقا من غير شرط , فقضاه خيرا منه في القدر , أو الصفة , أو دونه , برضاهما , جاز ... ورخص في ذلك ابن عمر , وسعيد بن المسيب , والحسن , والنخعي , والشعبي , والزهري , ومكحول , وقتادة , ومالك , والشافعي , وإسحاق ...
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بَكْرا , فرد خيرا منه . وقال : (خيركم أحسنكم قضاء) متفق عليه . وللبخاري : (أفضلكم أحسنكم قضاء) . ولأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضا في القرض , ولا وسيلة إليه , ولا إلى استيفاء دينه , فحلت , كما لو لم يكن قرض ...
وإن كان الرجل معروفا بحسن القضاء , لم يكره إقراضه . وقال القاضي : فيه وجه آخر , أنه يكره ; لأنه يطمع في حسن عادته . وهذا غير صحيح ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان معروفا بحسن القضاء , فهل يسوغ لأحد أن يقول : إن إقراضه مكروه , ولأن المعروف بحسن القضاء خير الناس وأفضلهم , وهو أولى الناس بقضاء حاجته , وإجابة مسألته , وتفريج كربته , فلا يجوز أن يكون ذلك مكروها , وإنما يمنع من الزيادة المشروطة " انتهى من "المغني" (4/ 212).
والله أعلم .
تعليق