الحمد لله.
للمرأة في الإسلام ذمة مالية مستقلة إذا كانت بالغة رشيدة ، تحسن التصرف في أموالها ، لعموم قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) النساء / 6 .
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه :
"بَاب هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا وَعِتْقِهَا إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَهُوَ جَائِزٌ إِذَا لَمْ تَكُنْ سَفِيهَةً فَإِذَا كَانَتْ سَفِيهَةً لَمْ يَجُزْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) " انتهى .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَبِهَذَا الْحُكْم قَالَ الْجُمْهُورُ , وَخَالَفَ طَاوُسٌ فَمَنَعَ مُطْلَقًا , وَعَنْ مَالِك لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا وَلَوْ كَانَتْ رَشِيدَة إِلَّا مِنْ الثُّلُث , وَعَنْ اللَّيْث لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا إِلَّا فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ . وَأَدِلَّة الْجُمْهُور مِنْ الْكُتُب وَالسُّنَّة كَثِيرَة " انتهى .
وروى البخاري (2592) ومسلم (999) عن مَيْمُونَةَ بِنْت الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ : أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي ؟ قَالَ أَوَفَعَلْتِ ؟ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ : (أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ) .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ : جَوَاز تَبَرُّع الْمَرْأَة بِمَالِهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" وظاهر كلام الخرقي ، أن للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله ، بالتبرع ، والمعاوضة .
وهذا إحدى الروايتين عن أحمد ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر .
وعن أحمد رواية أخرى ، ليس لها أن تتصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض ، إلا بإذن زوجها ، وبه قال مالك .
ولنا ، قوله تعالى : ( فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ) .
وهو ظاهر في فك الحجر عنهم ، وإطلاقهم في التصرف ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يا معشر النساء تصدقن ، ولو من حليكن ) رواه البخاري (1466) ومسلم (1000) وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن ولم يسأل ولم يستفصل .
وأتته زينب امرأة عبد الله وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة ، هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن ، وأيتام لهن ؟ فقال : نعم . رواه البخاري (1462) ومسلم (1000) ولم يذكر لهن هذا الشرط ... ولأن المرأة من أهل التصرف ، ولا حق لزوجها في مالها ، فلم يملك الحجر عليها في التصرف بجميعه" انتهى .
"المغني" (9 / 399-400) .
ولكن ... إذا غلب على ظن المرأة حدوث مشاكل مع زوجها
إذا هي أنفقت من مالها بغير إذنه ، وخاصة إذا عزمت على التصدق بمال جليل ، فعليها
استئذانه وملاطفته في الأمر وبيان الحكم الشرعي في ذلك ، وأن من حقها التصدق بما
شاءت من مالها ؛ حتى تدوم العشرة الحسنة بين الزوجين .
وقد يتراءى للزوج رأي هو أسد وأفضل من رأي المرأة في ذلك ، فالتشاور في مثل هذا هو
التصرف الأفضل .
وقد روى النسائي (3231) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنها قَالَ : قِيلَ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ ؟
قَالَ : ( الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ ، وَلَا
تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ ) صححه الألباني في "صحيح
النسائي" .
والله أعلم .
تعليق